مقتل الصائغ النحاس: بين إجرام داعش وتغافل الأجهزة الأمنية وعدم تعاون الفصائل المحلية
مقتل الصائغ النحاس من فيديو كاميرة المراقبة،

ما زالت قضية سرقة ومقتل صاحب محل صياغة الذهب “ياسين تركي النحاس، أبو عبيدة” من مدينة داعل في الريف الأوسط من محافظة درعا، دون نتائج واضحة. في هذا التقرير تكشف درعا 24 عن بعض خباياها، وعن كيفية انكشاف خيوطها، وعن ضلوع داعش فيها، وتغافل الأجهزة الأمنية عنها، والتوقف عن التحقيق فيها. 

كيف وقعت حادثة مقتل الصائغ؟ 

أقدمت عصابة مُسلّحة في الثالث من شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2020، وبينما كان “النحاس” عائداً من محله إلى منزله في سيارته الخاصة ليلاً، بمهاجمته وإطلاق النار عليه مما أدى إلى مقتله، وسرقوا سيارته، وما تحتويه من ذهب. وقد تمّتْ ملاحقة اللصوص من قِبل أحد أبنائه، لكن المسلحين أطلقوا عليه النار بشكل مباشر، ونتج عن ذلك إصابة الابن بجروح في ظهره، وفرّ اللصوص. 

أكدت مصادر مُطّلعة على القضية، بأن كمية الذهب التي سرقتها العصابة حينها، تُقدّر بـ 16 كغ، إضافةً إلى 30 مليون ليرة سورية كانت بحوزة الضحية في السيارة.

تابع الأمن الجنائي في درعا القضية في البداية، ورصدت درعا 24 احتجاز عدد من أبناء المدينة ومن مدينة الشيخ مسكين، من أصحاب السوابق الجنائية، ثم تم الإفراج عنهم، لعدم توفر أي أدلة ضدهم. وقالت ذات المصادر، أن ما قام به الأمن الجنائي حينها، والضبط الذي تم فتحه حينها، بأنه: “يفتقر لأي معلومة محددة، وبلا فائدة أبداً”. 

تكشّف خيوط القضية 

في فبراير / شباط 2022 رصدت درعا 24 قيام دورية أمنية باقتحام محل صياغة ذهب في مدينة جاسم في الريف الشمالي من محافظة درعا، تعود ملكيته للمواطن “محمد بشير العباس، أبو رامي” من مدينة إنخل، وجاءت المداهمة بعد شرائه لذهب مسروق في حادثة “النحاس”، وتم مصادرة كمية 700 غرام، واعترف على شراء 3 كغ من الذهب من “أبو عبد الرحمن العراقي” أمير تنظيم داعش، الذي كان يتمركز في جاسم قبل مقتله في هجوم للفصائل المحلية بتاريخ 15 أكتوبر 2022، حيث تم تفجير المنزل الذي كان يتحصن فيه، مما أدى إلى مقتله ومقتل عدد من عناصره.

اقرأ أيضاً : ما الذي حصل في مدينة جاسم؟ الفصائل تصدر بياناً حول الأحداث

علمت درعا 24 بأنه تم تسليم الكمية المصادرة 700 غرام من الذهب من فرع الأمن الجنائي لذوي “النحاس”، الذين عقدوا اتفاقاً مع صائغ الذهب “العباس” كي يسلمهم كمية من الذهب تعود لهم وهي عبارة عن 2300 غرام، والتي كان اشتراها من “العراقي”، وأن يساعدهم للوصول للعراقي لاستعادة بقية الذهب، (اطلعت الشبكة على نسخة من هذا الاتفاق)، وقال مصدر أمني لمراسل درعا 24 بأن الإفراج عن “العباس” جاء بعد تدخل أحد القضاة المتقاعدين من مدينة جاسم، والذي كفله للخروج من السجن، بشرط أن يسلم الذهب لذوي النحاس، وعلى ذلك أقرّ المحامي العام بالإفراج عنه، وبكفالته ليسلّم الذهب خلال 48 ساعة. لكن “العباس” لم ينفذ ذلك حتى اليوم.

لم تملك عائلة الضحية سوى الإدّعاء على اثنين من أبناء “العباس” الأول “أحمد” لكونه هو من قام بشراء الذهب المسروق، والثاني “معن” لأنه قام بمسح سجل الكاميرات، الذي يوجد فيه فيديو الأمير الداعشي، ويثبت عملية شرائهم الذهب منه، وفق ما أكدت مصادر مُطّلعة على القضية. بعد الإدّعاء تم تحويل إضبارة القضية إلى محكمة الإرهاب، وأصدرت المحكمة مذكرة إحضار بحق المدعى عليهم، وأوكل تنفيذ الاعتقال لمركز الأمن الجنائي في مدينة الصنمين، الذي وضع حاجزا بين جاسم وإنخل إلا أنه لم يتم القبض على أحد حينها، وأرجع الأمن الجنائي القضية لمحكمة الإرهاب “متعذراً بصعوبة الأوضاع الأمنية”، وفق ما أكدته ذات المصدر الأمني.

بعد أشهر من هذه الحادثة، قبض الأمن الجنائي على سيدة تُدعى “جميلة سليمان الديري” من مدينة الشيخ مسكين، واعترفت أنّها عرضت 700 غرام من الذهب على صائغ يُدعى “عماد أبو عون” من مدينة داعل، فاشترى منها 500 غرام ودفع نصف الثمن فقط، لأنه كان من الواضح بأنه مسروق، ولم يتحقق أو يسأل عن مصدر الذهب.

 ثم توجهت بالكمية الباقية إلى صائغ آخر وهو ضياء أبو زيد، وهو الذي قام بتبليغ الأمن الجنائي عند شكّه بأن الذهب مسروقاً، وقد تم احتجازه لثلاثة أيام حتى تم اثبات صحة كلامه.

بعد اعتراف “الديري” ببيعها الـ 500 غرام من الذهب لـ “عماد أبو عون”، تم تسريب معلومات لدرعا 24 مفادها بأن الأخير قام بتقديم رشوة مالية تُقدّر بـ 10 ملايين ليرة سورية لرئيس جمعية الصاغة في درعا “رأفت السويدان”، وبعد تقديم رشاوي أيضاً لضباط في فرع الأمن الجنائي، تم تحويل الاتهام لأحد أبناء “عماد أبو عون، وهو عبد الله والذي يبلغ من العمر17 عاماً” والذي تم تهريبه للبنان في ذات اليوم الذي وُجهت له التهمة، وبذلك تم إغلاق هذه القضية في ملاحقة “أبو عون”، ولم تتابع الجنائية التحقيق فيها.

من هم أفراد العصابة؟

وفقاً لمحاضر التحقيق مع “جميلة الديري” التي تم تسريبها لدرعا 24 من قِبل مصادر في جهاز الأمن الجنائي، اعترفت “جميلة الديري” أن زوجها “سيف الديري” اشترك بتنفيذ عملية السرقة والقتل بحق “النحاس” وبعمليات اغتيال أخرى، إضافةً إلى عملية سرقة ذهب أخرى نفذها لصالح ذات التنظيم – داعش- والتي وقعت في بلدة الغارية الشرقية في شهر يوليو – تموز 2021، حيث قُتل صائغ الذهب “محمد سعد الدين الدراوشة (الرفاعي)” الملقب “أبو الزين” وابنه وسط بلدة الغارية الشرقية، وقام اللصوص بسرقة المصاغ الذهبي الموجود معهم والسيارة، ولاذوا بالفرار.

واعترفت “الديري” بأن العملية كانت بتخطيط وتنسيق من تنظيم داعش، الذي كان ينتمي زوجها له، حيث كان حينها يتخذ مقرات له في مدينة جاسم، قبل القضاء عليه من قبل الفصائل المحلية لاحقاً. وفقاً لمحاضر التي تم تسريبها فقد كان على رأس المخططين لعملية السطو وقتل “النحاس” كلاً من:

1- أمير تنظيم داعش في درعا “أبو عبد الرحمن العراقي”: الذي لقي مصرعه في 15 أكتوبر 2022 في مدينة جاسم، تحت ضربات الفصائل المحلية، حيث تم تفجير المنزل الذي كان يتحصن فيه برفقة مجموعة من عناصره.

اقرأ أيضاً : أيادي محلية تحاول اجتثاث داعش والأجهزة الأمنية تتخذ وضع المزهرية

2- “أسامة العزيزي، أبو الليث”: وهو من بلدة الشجرة في منطقة حوض اليرموك غربي درعا، عمل مع التنظيم أثناء سيطرته في الحوض، وفرّ بعد العام 2018 ضمن بلدات المحافظة، وتنقل بين طفس وجاسم، وما يزال حياً حتى اليوم، ويتنقل بين قرى الريف الشرقي من درعا. وقد تم ذكر اسم “العزيزي” في اعترافات “محمود أحمد الحلاق المُلقّب بـِ أبو عمر الجبابي” أحد عناصر التنظيم بعد القبض عليه، حيث قال وقتها أن “العزيزي” هو من أمر باغتيال “الشيخ أبو البراء الجلم” بعد اجتماع الأخير مع “أبو عبد الرحمن العراقي” ورفضه الانضمام لداعش.

منفذي عملية السرقة والقتل بشكل مباشر، حسب شهادة “جميلة الديري” هم: 

1- “سيف الديري”: والذي عمل سابقاً أمنياً في تنظيم جبهة النصرة، ثم أصبح بعدها أميراً في تنظيم داعش في حوض اليرموك إبان سيطرته هناك قبل العام 2018، وقد اختفى بعد القضاء على التنظيم، وتنقل بين مدينتي جاسم وطفس، ونفذ إضافةً إلى عملية “النحاس” وصائغ الذهب في بلدة الغارية الشرقية، العديد من عمليات الاغتيال، وحسب اعترافات زوجته “جميلة” فقد نفذ العديد من عمليات الاغتيال في مدينته الشيخ مسكين. وبعد اعتقال زوجته حاول الفرار باتجاه لبنان، ونسّق مع ضباط أرسلوا له سيارة لنقله، وبعد خروجه من مدينة الصنمين على طريق الزريقية تم إيقافه من قبل عناصر تابعين للجيش، وطلبوا تفتيش السيارة وأن ينزل منها إلا أنه رفض ذلك، وكان يلبس حزاماً ناسفاً فحاول تفجير نفسه، فأطلقوا عليه النار، ما أدى إلى مقتله. 

اقرأ أيضاً : هل ما زال تنظيم داعش حاضراً في الجنوب السوري؟

2- “نور نبيل الفاعوري، المقلب بالدباقي، أبو الحمزة”: وهو زوج أخت “الديري” من مدينة الشيخ مسكين أيضاً، ويعمل معه منذ فترة طويلة، وبعد مقتل سيف، تلقى أوامر من التنظيم لتنفيذ عملية اغتيال، فتم القبض عليه من قبل سرية تابعة للجيش في مدينة الشيخ مسكين، وهنا تتهم العديد من المصادر الذين تحدثت معهم درعا 24 أثناء إعداد التقرير، الضباط الذين قبضوا عليه بقتله، حتى لا يتم أخذ اعترافات مختلفة منه، وحتى يتم إقفال القضية على ما هي عليه، ثم تم الإبلاغ أنه قُتل تحت التعذيب.

3- “أحمد أبو حصيني، أبو الفداء تسيل، 30 سنة”: وهو ينحدر من بلدة تسيل غربي درعا، وهو أحد عناصر التنظيم، وكان يُقيم في مدينة طفس بعد العام 2018، وقُتل بعد مقتل “سيف الديري” أيضاً، على جسر الغارية الغربية على اتستراد درعا – دمشق، برفقة المدعو “أبو كفاح العيساوي”، حيث تم العثور على جثتيهما، وعليهما آثار تعذيب وإطلاق نار، وقد اتهمتهما الأجهزة الأمنية بتفجير سيارة للأمن العسكري في مدينة نوى في أواخر شهر تشرين الثاني 2021، والذي قتل فيها ثلاثة عناصر وأُصيب اثنان آخران.

عدم تعاون قادة الفصائل المحلية

إضافةً إلى إهمال الأمن الجنائي للقضية، فإن هناك اتهامات بعدم مساعدة قادة الفصائل المحلية لذوي الضحية، حيث توجه ذوو “النحاس” للجان المركزية غربي درعا، وللواء الثامن شرق وشمال درعا، لكن لم يكن هناك أي استجابة للمساعدة في استرداد الذهب، أو التحقيق للوصول له.

وأكد أحد العاملين السابقين في الفصائل المحلية، أنه بعد مقتل أمير تنظيم داعش، حصل القيادي في الفصائل المحلية “مؤيد الأقرع، أبو حيان حيط” على جوال “العراقي” الذي يتوقع المصدر، وجود أرقام الصاغة الذين تم بيع الذهب لهم فيه، لكن “أبو حيان” رفض تسليم الأرقام أو التعاون أو إعطاء أي معلومات حول ذلك.

 في حين قال مصدر من اللجان المركزية في المنطقة الغربية لمراسل درعا 24 أنهم بذلوا جهوداً لمساعدة ذوي النحاس وقدموا كل المعلومات التي كانوا يستفسرون عنها.

أضاف بأنهم لم يعثروا على أي معلومات تخص الذهب المسروق في جوال “العراقي”، وأن المركزية لا تستطيع استرداد الذهب خاصة وأن منطقة الجيدور خارج سيطرة اللجان المركزية، والذهب بحوزة داعش، التي يخوضون معها حربا منذ نشأتها.

كذلك توجه ذوو “النحاس” لتشكيل لجنة من الوجهاء من مدينة إنخل لاسترداد الذهب بشكل عام، والذهب الذي رفض إرجاعه “محمد بشير العباس، أبو رامي”، وكتبت هذه اللجنة حكماً مبدئيا (اطلعت الشبكة على نسخة منه)، وهو إرجاع ثلاث كيلو غرام من الذهب، وقد تم دخول وجهاء ككفلاء للعباس ولذوي النحاس، وتم تسليم ورقة كفالة لطرف ثالث من مدينة إنخل، تنص على قيام ذوي “النحاس” بإسقاط حقهم في محكمة الإرهاب ضد “العباس”، مقابل تسليمهم كمية الذهب المطلوبة وهي 3 كغ. وبعد إسقاط حقهم في محكمة الإرهاب، تم التدخل من قبل قيادي محلي في اللواء الثامن وأجبر الكفيل على تسليم ورقة الكفالة للعباس، وبذلك ذهب حق ذوي “النحاس” بهذه الكمية من الذهب، وبعدها تم تهديد اللجنة من عناصر في داعش، وتوقفت عن متابعة عملها.

 بين استحلال دم “ياسين النحاس، أبو عبيدة” وماله، من قِبل تنظيم داعش، وبين إهمال الأجهزة الأمنية في التحقيق في القضية، وعدم التعاون من قادة الفصائل المحلية، ضاع الدم وضاعت الأموال، ولم يعد يمتلك ذوو “النحاس” سبيلاً لاسترجاع حقهم أو ما بقي من ذهبهم.

الرابط: https://daraa24.org/?p=32453


إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًاً من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدّم/قدّمي شكوى

Similar Posts