هجرة الشباب وقوارب الموت

هجرة الشباب تهدد مستقبل محافظة درعا وتفرغ المحافظة من العنصر المنتج في المجتمع، القادر على البناء في مختلف المجالات.

يستعد الشاب م. السعدي للسفر بعد أن وصل صديقه إلى أوروبا العام الماضي عن طريق بيلاروسيا، وأخبره أنه يدرس ويعمل في مطعم، وأنه سيكون قادراً على الزواج وتأمين مستقبله، وتقديم الدعم المادي لأسرته وللكثير من أقربائه، في ظل الحالة المعيشية السيئة.

 يؤكد السعدي بأنه وبعد أن تكلم مع صديقه أصبح أشد رغبةً للهجرة والوصول إلى أوروبا، علّ ذلك يكون طريق النجاة ومفتاحاً لمستقبل أفضل، على الرغم من مخاوفه من مشقة الرحلة، التي تُوصف بأنها “رحلة الموت”.

يعتبر هذا الشاب واحد من آلاف الشباب في محافظة درعا، فمع تردي الواقع الاقتصادي والأمني وانعدام الخدمات، شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في هجرة هذه الفئة العمرية، التي تبحث عن الأمن والمستقبل الأفضل، مما ينعكس سلباً على مستقبل المنطقة، ويشكل تهديداً للاستقرار المجتمعي فيها.

إقرأ أيضاً: مركب الـ 750 مهاجراً: بشهادات من استطاعوا النجاة

دوافع هجرة الشباب، معيشية وأمنية

 يقول الناشط أمجد محمد لمراسل درعا 24 بإن: “الأوضاع الاقتصادية والأمنية في محافظة درعا متدهورة، وهناك ارتفاع أسعار السلع الأساسية للحياة، وانعدام الخدمات وتآكل القيمة الشرائية للأجور، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وتفشي الفقر، مما يُشكّا تحدياً كبيراً لمعظم الشباب الذين يصرون على الوصول إلى البلدان الأوروبية عبر قوارب الهجرة، متجاهلين حكايات الموت التي تكتنف الرحلة، علّها تفتح آفاقاً جديدةً أمامهم، وتعوضهم عمّا يعيشونه في بلدهم، بعد انسداد كافة الأفق أمامهم”.

يضيف: “العديد منهم يتجشم عناء هذه الرحلة الشاقة والمرهقة مادياً وبدنياً، ويخاطرون بحياتهم من أجل بناء مستقبل أفضل لهم ولأهلهم”. بعد أن تجاوزت معدلات الفقر الـ 90%، وفقاً لإحصائيات أممية.

يعتبر سوء الوضع المعيشي، أحد أهم أسباب الهجرة، لكن الوضع الأمني السيء جداً، لا يقلّ أهمية عنه في زيادة هجرة الشباب، حيث تشهد المحافظة عمليات اغتيال شبه يومية، فضلاً عن عمليات الخطف والاعتقال على الحواجز العسكرية والأمنية، إضافةً إلى ذلك فإن معظم الشباب مطلوبون للخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية أو فارّين منها، مما يضطرهم لاتخاذ هذا الطريق سبيلاً للهرب منها.

 في حين تغيب الأرقام الرسمية حول عدد الأشخاص الذي غادروا محافظة درعا، عبر الطرق النظامية وغير النظامية، وتشير التقديرات إلى أن آلاف الشباب عبروا الحدود بحثاً عن حياة أفضل وهرباً من واقع صعب، ويواجهون في طريق هجرتهم التي تُوصف بغير الشرعية، الكثير من المصاعب والتحديات، التي أودت بحياة كثيرين من أبناء المحافظة خلال الفترات الماضية.

إقرأ أيضاً:  هجرة شباب درعا (من الموت الى الموت)

تداعيات هجرة الشباب على المجتمع

يتكبد هؤلاء الشباب وعائلتهم مبالغ مالية ضخمة جداً لدفع تكاليف رحلة الهجرة، التي تكون غالباً باتجاه دول القارة الأوروبية، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد ما لا يقلّ عن 6 آلاف دولار أمريكي، ويضطر العديد منهم إلى بيع عقارات يمتلكونها، بما في ذلك منازلهم، يؤكد مراسل درعا 24 أنه خلال الأيام القليلة الماضية تم بيع ثلاثة منازل في مدينة نوى غربي درعا وحدها، حيث هاجرت هذه العائلات بجميع أفرادها، مما يحوّل الأمر ليس فقط إلى حالات فردية بل إلى ظاهرة منتشرة بقوة هذه الأيام.

يقول الخبير الاقتصادي محمد الخطيب في حديث مع المراسل بأن محافظة درعا اليوم وفق وصفه: “تمرّ بأصعب مراحل تاريخها منذ اندلاع الثورة عام 2011 نظراً للتأثر المباشر بمتغيرات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبح آلاف الشباب المحبطين بسبب البطالة والفقر وانسداد الأفق يطمحون للهجرة تحت وطأة الحاجة إلى البحث عن موارد رزق إضافية، فكلما اشتدت الأزمة الاقتصادية كانت نتائجها وخيمة، وانعكست بشكل سلبي على المنطقة، ودفعت بالمزيد من الشباب للهجرة والهرب خارجاً”.

ويتابع بأن الخسارة هذه المرة كبيرة جداً، ولا يمكن أن تعوض، وستترك تداعيات خطيرة على المجتمع لسنوات طويلة الأمد، موضحاً: “سيؤدي ذلك إلى فقدان العنصر المهني القادر على النهوض والإنتاج، إضافةً إلى خسارة كبيرة في القطاعات الأساسية للبلاد مثل القطاع الصحي والتعليمي، الذي بدأنا نلمسه بالنقص الكبير ضمن كوادر تلك القطاعات”.

وأردف بأن أغلبية المهاجرين ينتمون إلى الفئة العمرية بين الـ 18 والـ 35 عاماً، وهي الفئة الأكثر قدرة على العمل، وفقدان نسبة كبيرة من هذه القوى المنتجة سيؤثر سلباً في اقتصاد البلاد، باعتبار هذه الفئة هي المحرك الأساسي للاقتصاد. وفقاً للخبير، الذي يشرح بأنه إضافة إلى أن الهجرة ستفتح المجال أمام الميليشيات وتجار المخدرات للسيطرة على المنطقة، وتدمير نسيجها الاجتماعي والقضاء على ما تبقى من الطاقات الشابة.

إقرأ أيضاً: شهادات لمهاجرين من درعا في ليبيا حول سجون الهجرة وتجار البشر

بدوره الصحفي السوري وابن محافظة درعا محمد العويد، يرى أنه لا يمكن قياس هجرة شباب درعا أو قطفها بمعزل عن محيطها، فهي توازي هجرة شباب السويداء والقنيطرة وكافة المحافظات السورية، وسببها انسداد الأفق السياسي الذي يعتبر من أهم الأسباب، إضافةً إلى تردي الوضع الاقتصادي والخدمة العسكرية الإلزامية غير المنتهية المدة.

ويضيف: “تظافرت كل تلك العوامل لتحريك الشباب ودفعهم للهجرة بشكل نهائي، إضافة إلى بقاء مترسبات في الذاكرة المجتمعية، حتى ولو كانت هذه الفئة العمرية لم تعيش العشر سنوات الماضية أو العقد الماضي كله وما قبله، فالذاكرة المجتمعية دوماً تحيي مآسيها وأوجاعها، وبالتالي الشباب قادرون على التقاط هذه المرويات الجمعية وما شاهدته مجتمعاتهم من مآسي وعذابات وقتل وتهجير، فكل ذلك يتخزن، ويصبح دافع وباعث عند الشباب”.

 وأما عن تبعات الهجرة فيوضح الصحفي بأن: “المجتمعات اليوم تقاس بنسبة الشباب فيها، فعندما نجد أن المجتمع يخلو من فئة الشباب تلقائياً، نذهب إلى النتيجة الحتمية وهي فناء هذا المجتمع ونهايته، لأن أغلبية المهاجرين بمثل هذه الظروف التي يعيشها شباب سوريا لا يعودون من بلاد المهجر، فكل منطقة جغرافية تشهد مثل هذه الصراعات تحتاج لوقت طويل للاستقرار، ولكي تصبح مستقطبة، وبالتالي نكون قد خسرنا هذه الفئة وأصبحنا أمام الجيل الآخر جيل الأبناء اللذين  يدينون بالولاء و الانتماء لبلاد المهجر، وقد لا تظهر هذه العوامل على المدى القصير، ولكنها حتمية على المدى الطويل”.

 ويتابع قائلاً: “للأسف كل القوى المتصارعة على الساحة السورية، والتي تملك كافة الإمكانات والقدرات لم تقرر مد يد العون للشباب السوري، سواء بالتخفيف من أوجاعه ومعاناته أو بتحفيزه ببعض المشاريع التنموية أو التأهيلية أو التدريبية، فهو متروك لخياراته الفردية، التي تتجمع لتصبح معبرة عن حالة هجرة ورفض للواقع”.

إقرأ أيضاً: الواقع الأمني والمعيشي جعل الهجرة هاجس معظم الشباب في درعا

هجرة الشباب، أرقام متصاعدة

أظهرت بيانات نشرها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا في أبريل / 2023 أن هناك نحو 80 ألفاً و978 شخصاً تقدموا بطلبات لجوء في البلاد خلال الربع الأول من عام 2023 وجاء معظم طالبي اللجوء من سوريا (ألفان و702 شخصاً) ويليهم الأفغان ومن ثم الأتراك.

بحسب أحدث أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للعام 2023، وتعد سوريا هي الأكثر تصديراً للاجئين 6.8 مليون لاجئ، ومن أوكرانيا 5.8 مليون لاجئاً، بينما أفغانستان 5.7 مليون.

تتضاعف أعداد المهاجرين من محافظة درعا، باتجاه لبنان، أو تركيا أو ليبيا أو بيلاروسيا أو باتجاه أي طريق يمكن سلوكه باتجاه البلدان الغربية، ولو كانت مخاطره جسيمة وتكاليفه كبيرة، إلا إنه يبقى بالنسبة للكثيرين منهم أفضل من حياتهم مع انعدام الآمان وعدم توفر لقمة العيش.

الرابط: https://daraa24.org/?p=34022

Similar Posts