تعتبر قضية المعتقلين والمختفين قسراً في سوريا من أهم القضايا الحقوقية والإنسانية، التي لم يحدث فيها أي تقدم يُذكر على الرغم من الاهتمام الدولي، بها وتضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، والمطالبات الشعبية المستمرة بالمعتقلين من خلال المظاهرات والاحتجاجات التي يدعو اليها ناشطين وناشطات وأهالي المعتقلين باعتبارها قضية مغيبة تماما وغير قابلة للنقاش.
إحصائيات وبيانات
في تقريرها السنوي الثاني عشر أصدرت الشّبكة السّورية لحقوق الإنسان بيانات تضمنت أعداد المعتقلين والمختفين قسرياً على يد أطراف النزاع في سوريا حيثُ وصل العدد إلى 112713 شخصاً بينهم 3105 طفل و6698 سيدة لا يزالون قيد الإخفاء القسري منذ مارس/ آذار عام 2011 حتى أغسطس/آب الحالي معظمهم لدى النظام السوري.
أما في سجون النظام في سوريا فقد بلغ عدد المعتقلين ما لا يقل عن 96103 شخصاً، من بينهم 2327 طفلاً، و5739 سيدة
وأوضح التقرير أنَّ هناك 8684 شخصاً تم اعتقالهم واخفائهم من قِبل تنظيم “داعش” من بينهم 319 طفلا و255 سيدة.
بينما “هيئة تحرير الشام” مسؤولة عن اختفاء 2162 بينهم 17 طفلاً و32 سيدة، وكذلك فصائل المعارضة التي اعتقلت وغيبت حوالي 2943 شخصاً بينهم 256 طفلاً و563 سيدة.
ووثقت الشّبكة ما لا يقل عن 3376 حالة اعتقال بينها 246 طفلاً و212 سيدة (أنثى بالغة)، للاجئين عادوا من دول اللجوء إلى مناطق إقامتهم في سورية منذ مطلع عام 2014 حتى آب/ 2023.
في حين تم الأفراج عن 7351 شخصاً منهم 6086 مدنياً، و1265 عسكرياً من مختلف السجون المدنية والعسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات السورية على مدار 12 عاماً من خلال 21 مرسوم عفو أصدرها رئيس النظام السوري.
إقرأ أيضاً: أهالي المعتقلين، البحث عن أمل
الموقف الدولي وقضية المعتقلين
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في حزيران الفائت قراراً بإنشاء مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم، وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم، القرار الذي وصفته لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بـالقرار “التاريخي”، وأضاف رئيس اللجنة باولو بينيرو في بيان له إن هذه الخطوة طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي، وقد جاءت أخيراً لمساعدة عائلات جميع من اختفوا قسرا وخُطفوا وعُذبوا واُحتجزوا في الحبس التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي على مدى السنوات الـ 12 الماضية ، مشيرا إلى أن هذه المؤسسة ضرورة إنسانية وتكمل الجهود نحو تحقيق المساءلة .
سوريا ترفض القرار
يأتي انشاء هذه الجمعية ضمن الإجراءات المبذولة لمعرفة مصير المعتقلين والتخفيف عن أهاليهم لكن مندوب سوريا في الأمم المتحدة قال أن بلاده “حريصة على التعامل مع هذه المسألة الإنسانية، إلا أنها ترفض نهج التسييس الذي تم السير به بشأنها، وتؤكد على أن المسائل الإنسانية لا يمكن تجزئتها، ولا يمكن التعامل معها بانتقائية “على حد تعبيره“. .
وقال إن بلاده “لم تكن طرفا في أي من هذه المناقشات التي جرت ولم يتم دعوتها إليها ولم يتم التشاور معها بشأن إنشاء هذه المؤسسة”.
إقرأ أيضاً: معظم المعتقلين المفرج عنهم من السجون، اعتقلوا بعد العام 2018 وبقضايا جنائية
رحلة بحث الأهالي عن مُعتقليهم
تتحدث (أم يزن) وهو اسم مستعار لمراسلة 24:”مازلت انتظر زوجي منذ عشر سنوات وأصبح الانتظار من روتين حياتي، لكن مع مرور الأيام يَضعُف الأمل لدي لكن لا ينقطع، عندما خرج من البيت الى دمشق على أمل أن يعود مساءً أو في اليوم التالي لكنه لم يعد، لم نترك مكان إلا وسألنا عنه لكن لم نجده لنعرف بعدها أنه تم اعتقاله على أحد الحواجز، أردت توكيل محامي لمعرفة مكان زوجي على الأقل لكنه طلب مبلغ مالي كبير لأنَّ موضوع الاعتقال موضوع “حساس” حسب وصف المحامي، لكن ليس لدي القدرة على الدفع، وأضافت (أم يزن ) قبل 3سنوات تم اعتقال زوج ابنتي أيضا من قبل أحد الحواجز ولا نعرف عنه شي ولا حتى مكانه”.
(أبو وسيم ) اسم مستعار رفض الكشف عن اسمه يروي قصته لمراسل درعا24:” تم اعتقال أولادي الاثنين بدون سبب، حيث كانوا يعملون بالأراضي الزراعية ولم ينتموا لأي جهة عسكرية من قبل، بحالهم يعني، من سبع سنين لليوم وأنا واقف ع رجلي بدور عليهم وما عرفت وينهم، لما يصدر عفوا بصير عنا أمل انو رح يطلعوا فيه ، بآخر عفو صدر رحت على الشام مثلي مثل هالناس وانتظرنا بالساعات لكن طلع كلو كذب، بعد خيبة الأمل يلي صابتنا انا وكل الناس الموجودة، صرت فكر كيف بدي ارجع ع البيت بدون ولادي لان كنت خايف على زوجتي من الصدمة لأن كانت متأمله انو يطلع العفو صحيح ويفرجوا عنهم”.
(أم عبدالله )65 عام وهو اسم مستعار وهي أحد أمهات المُغيبين تقول لمراسل درعا 24:” قرر ابني الهجرة لأوروبا بعام 2017وكان لازم يطلع ع تركيا وبعدها لأوروبا، اتفق مع المهربين، لما شفنا خطورة الطريق ما وافقنا على طلعته، لكن هو أصر لأن هالدولة ما فيها مستقبل، ظلينا على تواصل معه لحتى وصل لمناطق “داعش” بالرقة، وبعدها انقطع الاتصال، حاولنا نعرف وين مكانه لكن ما في فايدة، بعد فترة وصلنا خبر انو مسجون بالرقة عند تنظيم “داعش ” وما عرفنا شو سبب السجن، ولليوم ما في خبر عنه”.
إقرأ أيضاً: الإفراج عن المعتقلين، وحجم الكارثة في سوريا
السماسمرة وأهالي المعتقلين
يتعلق أهالي المعتقلين بالأمل حتى أخر رمق حتى لو كلفهم ذلك كل ما يملكونه كما حصل مع (أبو خالد وزوجته) حيث تم اعتقاله ابنه الأكبر من قبل حاجز للقوات الحكومية عندما ذهب لإجراء تسوية ولم يعد.
يكشف أبو خالد لمراسل درعا24 قصته خلال بحثه عن ابنه المعتقل حيث قال:” من خلال متابعتنا لمواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا المهتمة بالمعتقلين، تواصلنا مع شخص عرّف عن نفسه بأنه محامي ويستطيع مساعدة أهالي المعتقلين، ليخبرنا بعدها بأُنهُ يريد مبلغ مالي كبير ليس بمقدورنا دفعه، لكن لن نترك ابننا من اجل المال، اقترضنا المال من أقارب لنا، وبعدها بفترة قال لنا أنَّ التهم الموجه لابننا كبيرة ولا يمكن إخراجه من السجن بسهولة، لكن هناك طريقة واحدة وهي دفع مبلغ مالي كبير جدا، وأنَّ المبلغ السابق ما هو الا شيئ بسيط تم دفعه هنا وهناك لمعرفة مكان ابننا ومعرفة أنه لازال على قيد الحياة.
أضاف أبو خالد: “أننا قبلنا بدفع المبلغ الذي لا نمتلكه من خلال بيع بيتنا الذي لا نملك غيرة لتأمين المبلغ، وبالفعل تم بيع البيت ودفعنا له المبلغ من قبل شخص وسيط، ليغلق هاتفه بعدها ولم يرد على اتصالاتنا المتكررة، أي سرق المصاري وطلع نصاب “على حد تعبيره”، بعد مرور فترة وصلنا خبر وفاة ابني في السجن، وتسلمنا أغراضه الشخصية لنطوي بذلك ثلاث سنوات من القهر والألم والخسارة”.
وعلى الرغم من كل شيء يبقى الآلاف من أهالي المعتقلين والمختفين قسرياً يتعلقون بآمالٍ واهية بعد سنوات من الانتظار ومبالغ طائلة تكبدها بعضهم في سبيل النذر اليسير من المعلومات عن أحبائهم.
الرابط: https://daraa24.org/?p=34366
التقرير بالتعاون مع رابطة المعتقلين في جنوب سوريا
إذا كنتم تعتقدون بأن هذا المقال ينتهك المعايير الأخلاقية والمهنية يُرجى تقديم شكوى
