يعاني قطاع التعليم في محافظة درعا من أزمات متفاقمة تهدد العملية التعليمية. في ظل غياب الدعم الحكومي الكافي، ويضطر المجتمع المحلي إلى سدّ الفجوة عبر جمع التبرعات لتأمين الاحتياجات الأساسية للمدارس. فمن الترميمات البسيطة إلى توفير الكتب المدرسية ومازوت التدفئة، حيث يتحمل الأهالي أعباءً مالية إضافية لضمان استمرار تعليم أبنائهم. يعرض هذا التقرير واقع التعليم في درعا، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجه المدارس، وجهود الأهالي المستمرة لتعويض نقص الدعم الحكومي.
التعليم في محافظة درعا: غياب الدعم الحكومي
حاول مدير إحدى المدارس في الريف الغربي من محافظة درعا، أن يطلب من مديرية التربية عدّة مرّات مستلزمات بسيطة لمدرسته، غالبها يتعلق بإصلاحات بسيطة، كاستبدال زجاج مكسور أو باب أو مقاعد متضررة، ولكن الرد كان دائماً: “اعتمدوا على المجتمع المحلي”.
يؤكد هذا المدير في حديثه مع مراسل درعا 24 أنه دون دعم الأهالي، ستبقى احتياجات المدرسة الضرورية دون تلبية. وتظل هذه المدرسة، كما هو حال العديد من مدارس درعا، تحت وطأة أزمة حادة تشمل نقص الموارد الأساسيّة مثل الكتب والمقاعد والأدوات المدرسيّة، إضافةً إلى الاكتظاظ في الصفوف، وضعف رواتب المعلمين، فضلاً عن انعدام وسائل التدفئة المناسبة في الشتاء. وفي هذا السياق، وجد الأهالي أنفسهم مضطرين إلى دعم المؤسسات التعليمية من خلال جمع التبرعات كبديل عن الدعم الحكومي.
التسرب من المدارس بدرعا: بين الحلول الحالية والمنشودة(3/3)
دور التبرعات في التعليم
في مواجهة هذا الغياب للدعم، يبادر الأهالي في العديد من بلدات محافظة درعا في كل عام إلى ما أصبح اسمه معروفاً بدرعا باسم “الفزعات”، وهي جمع التبرعات لدعم المدارس. ففي بلدة الجيزة مثلاً، قام الأهالي بتأمين مستلزمات ضروريّة للمدارس، بالإضافة إلى توفير مكافآت شهرية للمعلمين نظراً لضعف الرواتب الحكوميّة، قاموا بذلك هذا العام، ويكررونه في كلّ عام منذ سنوات.
وفي بلدة المسيفرة أيضاً، تبرع الأهالي بتأمين 180 مقعداً مدرسياً، وصيانة دورات المياه، وتزويد المدارس بكميات من الدفاتر والأقلام، والكراسي والسبورات، وتأمين أجور نقل المدرسين مع مكافآت شهرية لهم، وتجاوزت قيمة هذه الأعمال حاجز الـ 300 مليون ليرة.
التعليم في درعا انتكاسة بعد الصدارة (1/3)
التشاركية بين الواقع والمسمى
سمّى مدير تربية درعا في تصريح لصحيفة الثورة الرسمية، هذه التبرعات “تشاركية بين التربية والمجتمع المحلي”، مؤكداً، أنّها ساهمت في النهوض بالعملية التعليمية والتربوية. وقال أن هذا “يعزز الدور المهم الذي يضطلع به المجتمع المحلي”.
يقول أحد المواطنين حول هذه التشاركية: “إذا كان المجتمع المحلي يؤمّن حتى رواتب المدرسين، ويرمم بعض المدارس ويجلب القرطاسية ومازوت التدفئة، فما العمل الذي تقوم به مديرية التربية؟”. ويتابع: “أصبح الاعتماد على الجهود المحلية بديلاً عن كل ما يجب أن تتحمله وزارة التربية والحكومة التي ما زالتْ تدّعي دعم مجانية التعليم، والأمر لا يقتصر على المدارس فالناس لا تجد دعماً حكوميّّاً، وتقوم بفزعات (حملات) لدعم المشافي ومياه الشرب وغير ذلك”.
إقرأ أيضاً: بدأ العام الدراسي والكتب المدرسية مفقودة، وتغيير المناهج مرده إلى الفساد
نقص مازوت التدفئة
وصلت حملات التبرعات أيضاً لتأمين التدفئة للمدارس في بعض المدن والبلدات في محافظة درعا، وتلجأ بعض المدارس إلى الاعتماد في التدفئة على الطلاب أنفسهم، حيث يحضر كل يوم طالب لترين مازوت لتشغيل التدفئة في شعبته الصفيّة.
لجأ الأهالي لهذه الحلول، لأنّ دفعات المازوت المخصّص للمدارس يتم تسليمها على دفعتين، وعادةً ما تتأخر الدفعة الأولى حتى شهر شباط أو آذار، وأحياناً لا تصل الدفعة الثانية. تحدثت درعا 24 إلى عدد من العاملين في القطاع التربوي الذي أوضحوا أن المخصّصات لكلّ غرفة صفيّة في كلّ فصل دراسيّ هي 30 لتر مازوت، أي 60 لتر للعامّ الدراسيّ من بدايته إلى نهايته، بينما الغرف الإداريّة ليس لها مخصّصات.
وأكدّ أحد القائمين على المدارس أنّ السيارات الّتي تجلب المازوت للمدارس تحصل على نسبة (أجرة توصيل) 5٪ من كمية المازوت. يقول: “مثلاً مدرسة فيها ست شعب صفيّة، ستكون مخصّصاتها 180 لتر، وأجرة الصهريج 10 لتر، يبقى 170 لتر وهذا طبعاً لا يكفي”.
معاناة الطلاب مع تأخر توزيع مازوت التدفئة في المدارس
أزمة الكتب المدرسية
تعاني مدارس محافظة درعا من نقص كبير في معظم نُسخ الكتب المدرسية، رغم أن المديرية العامة للمطبوعات والكتب المدرسية رفعت أسعار الكتب للضعف هذا العام مرتين. في حين هناك كُتب تُباع في بعض المناطق في درعا بالسوق السوداء.
رصدت درعا 24 في الريف الشرقي، في ظل غياب الكتب المدرسية والنقص الحاد فيها، ظهور تجارة جديدة، وهي تجارة الكتب المدرسية، حيث أصبحت تُباع نُسخ جديدة (غير مستعملة) في السوق السوداء من قِبل تجار ليس لهم أي علاقة بقطاع التربية. ما يزيد من معاناة الطلاب وأولياء الأمور الذين باتوا مجبرين على شراء الكتب بأسعار مرتفعة.
الكتب المدرسية أعباء مادّيّة جديدة، هل مازال التعليم مجاني؟
البنية التحتية المدمرة
ويبقى قطاع التعليم في درعا ينتقل من أزمة لأخرى، والأهالي يحاولون إيجاد حلول. ولا تقتصر الحلول التي يقدموها على دعم المدارس في تأمين القرطاسية واللوازم الأساسية في بداية كل عام دراسي، بل يتجاوز ذلك، إلى المشاركة الفعّالة في ترميم عدد من المدارس التي دُمّرتْ بفعل القصف قبل العام 2018. تشير بعض الإحصاءات إلى أن 45% من مدارس المحافظة تعرضت للدمار، حيث تم استهداف 433 مدرسة من أصل 988 في المحافظة.

فساد في ترميم المدارس في درعا.. مدرسة العصماء أنموذجًا
الرابط: https://daraa24.org/?p=45638