كشف تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أن عائلة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد تعيش حياة مترفة في روسيا، بعد فرارها من دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2024، في وقت أعاد فيه الأسد إحياء مسيرته المهنية القديمة في مجال طب العيون، وسط عزلة سياسية صارمة وقيود فرضتها عليه السلطات الروسية.
من «اجاك الدور يا دكتور» إلى المنفى
جاء في مطلع التقرير: في عام 2011، كتب أطفال على جدار مدرسة في مدينة درعا عبارة قصيرة حملت دلالة عميقة: «دورك يا دكتور». كانت إشارة مباشرة إلى بشار الأسد، طبيب العيون الذي تدرب في لندن، في وقت كانت فيه موجة الانتفاضات الشعبية تجتاح العالم العربي، وتُسقط أنظمة حكم تباعًا.
استغرق الأمر أربعة عشر عامًا من الحرب الدموية، قُتل خلالها نحو 620 ألف شخص، وتشرد أو لجأ قرابة 14 مليون سوري، حتى وصل الدور فعليًا إلى الأسد. ففي أواخر عام 2024، انهار نظامه، وفرّ مع عائلته ليلًا من دمشق إلى موسكو.
اقرأ أيضاً: درعا بعد سقوط النظام: خطوات بطيئة نحو العدالة الانتقالية 2/2
بشار الأسد يعود إلى مهنته القديمة
بعد عام تقريبًا على سقوط حكمه، يكشف تقرير الغارديان أن بشار الأسد بدأ فصلًا جديدًا من حياته في المنفى الروسي، حيث عاد إلى مهنته الأصلية، وأعاد صقل خبرته في مجال طب العيون، مبتعدًا — أو مُبعَدًا — عن أي دور سياسي.
وينقل التقرير عن صديق للعائلة لا يزال على تواصل معها قوله إن الأسد يتلقى دروسًا في طب العيون، ويتعلم اللغة الروسية، مضيفًا أن هذا المجال كان دائمًا شغفه الحقيقي، وأنه لا يفعل ذلك بدافع الحاجة إلى المال. وبحسب المصدر نفسه، كان الأسد يمارس الطب بشكل متقطع حتى خلال سنوات الحرب في دمشق.
حياة مترفة بين روسيا والإمارات
تشير الغارديان إلى أن عائلة الأسد تعيش اليوم حياة هادئة ومنعزلة لكنها مرفهة، بين روسيا والإمارات العربية المتحدة، اعتمادًا على شهادات أصدقاء للعائلة، ومصادر في سوريا وروسيا، إضافة إلى بيانات مسرّبة.
وبحسب مصدرين مطلعين، يُرجّح أن تكون العائلة مقيمة في منطقة روبليوفكا غرب موسكو، وهي واحدة من أكثر المناطق حراسة وثراء، وتُعد مقرًا لإقامة النخبة السياسية والاقتصادية الروسية. وتضم المنطقة أيضًا شخصيات سياسية سابقة لجأت إلى روسيا، من بينهم الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش.
ثروة بعيدة عن العقوبات
يؤكد التقرير أن عائلة الأسد لا تعاني من أي ضائقة مالية، إذ قامت منذ عام 2011، وبعد فرض العقوبات الغربية عليها عقب المجازر في سوريا، بتحويل جزء كبير من ثروتها إلى روسيا، حيث أصبحت بعيدة عن أي رقابة أو ملاحقة مالية غربية.
اقرأ أيضاً: العدالة الانتقالية طريق السوريين الطويل، هل يمكن إعادة الإعمار دونها؟ 1/2
عزلة سياسية وقيود روسية
رغم نمط الحياة المترف، توضح الغارديان أن بشار الأسد يعيش عزلة سياسية شبه كاملة. فبعد فراره من دمشق، شعر كثير من حلفائه السابقين بالخيانة، خاصة أنه لم يُحذّرهم من الانهيار الوشيك للنظام، وتركهم يواجهون مصيرهم.
وتنقل الصحيفة عن مصادر قريبة من الكرملين أن السلطات الروسية فرضت قيودًا صارمة على الأسد، ومنعته من التواصل مع شخصيات سياسية بارزة أو الظهور العلني من دون موافقة مسبقة. ووفق أحد هذه المصادر، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «لا يكنّ اهتمامًا بالقادة الذين فقدوا السلطة»، معتبرًا أن الأسد لم يعد شخصية مؤثرة أو حتى مثيرة للاهتمام في الأوساط السياسية الروسية.
لحظة الفرار من دمشق
بحسب التقرير، فرّ بشار الأسد مع زوجته أسماء وأطفاله في الساعات الأولى من 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بعد أن اقتربت فصائل المعارضة من العاصمة دمشق. وقد جرى نقل العائلة أولًا إلى قاعدة حميميم الجوية، تحت حماية عسكرية روسية، قبل إخراجهم من البلاد.
أسماء الأسد والعلاج في موسكو
خلال الأشهر الأولى في المنفى، ركزت العائلة على الوضع الصحي لأسماء الأسد، التي كانت تعاني من سرطان الدم. ووفق التقرير، كانت تتلقى علاجها في موسكو حتى قبل سقوط النظام، وخضعت لاحقًا لعلاج تجريبي تحت إشراف أمني روسي، قيل إنه أدى إلى تحسن حالتها الصحية.
رواية مؤجلة وسقف روسي صارم
مع استقرار وضعها الصحي، بدأ بشار الأسد — بحسب الغارديان — التفكير في سرد روايته الخاصة حول سقوط نظامه. وقد رتب، عبر وسطاء، مقابلات محتملة مع وسائل إعلام روسية وأميركية، إلا أن هذه الخطط بقيت معلّقة بانتظار موافقة رسمية من السلطات الروسية، التي لا تزال تفرض عليه صمتًا سياسيًا وإعلاميًا.
وفي مقابلة نادرة لمسؤول روسي مع وسائل إعلام عراقية في تشرين الثاني/نوفمبر، أكد أن الأسد يعيش في روسيا، لكنه ممنوع من ممارسة أي نشاط سياسي أو إعلامي.
أبناء الأسد وحياة جديدة في موسكو
أما أبناء الأسد، فيشير التقرير إلى أنهم يحاولون التأقلم مع واقعهم الجديد كجزء من النخبة الاجتماعية في موسكو، وأن بعضهم يواصل دراسته في جامعات مرموقة، بعيدًا عن سوريا التي غادروها مع سقوط النظام.
اقرأ أيضاً: الكشف عن شخصية “قيصر سوريا” الذي فضح جرائم الأسد
الرابط: https://daraa24.org/?p=56043






