الصحفي علي عيد من مدينة بصرى الشام بريف محافظة درعا الشرقي.
الصحفي علي عيد من مدينة بصرى الشام بريف محافظة درعا الشرقي.

وسط المرحلة المفصلية التي تعيشها سوريا، تتقدّم اليوم أسئلة جوهرية إلى الواجهة: كيف يبدو واقع الإعلام السوري؟ وهل هناك فرصة حقيقية لظهور صحافة حرة؟ وإلى أين تتجه الأوضاع في السويداء؟ وماذا عن العلاقة مع جارتها درعا؟ وكيف يُمكن التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب؟ وماذا عن التعيينات الحكومية والتشاركية؟

هذه الأسئلة وغيرها، توجهتْ بها شبكة درعا 24 إلى الصحفي السوري علي عيد، ابن مدينة بصرى الشام بريف محافظة درعا الشرقي، وأحد الأصوات الإعلامية المتابعة للشأن السوري. والذي عُرف بمقالاته وتقاريره الصحفية في منصات سورية متعددة منذ سنوات طويلة. 

يجمع علي عيد في هذه المقابلة الخاصّة بين الواقع والتحليل السياسي، ويقدّم قراءته لمفاصل المرحلة: من الإعلام إلى الأمن إلى التعيينات الحكومية، ومن الجنوب السوري إلى بناء الدولة وصولاً إلى المجتمع المعافى.

كيف تقيّم واقع الإعلام السوري اليوم بعد سقوط النظام؟ وهل تعتقد أن هناك فرصة حقيقية لظهور إعلام حر ومستقل في سوريا، أم أن التحديات ما زالت قائمة؟ 

هناك خطوات جيدة أنجزت، لتجاوز العجز في تغطية أخبار الدولة، لكنها غير كافية، وأعتقد أن الأمر مرتبط بالظروف والإمكانيات، هناك خطة متكاملة لعمل الإعلام يجري الحديث عنها، وقد تأخذ وقتًا على ما يبدو، لكنها ضرورية، وليس واضحًا ما إذا كانت تتعلق فقط بالهيكلة ودعم القدرات، أم بتعزيز الحريات، علماً أن الأخيرة في وضع جيد لكن استمرار هذا الوضع غير مضمون لحين اكتمال ملامح الخطة وتنفيذها على أرض الواقع.

ويجري الحديث عن إصدار تراخيص لنحو 200 طلب لوسائل إعلام، بحسب أوساط وزارة الإعلام، وهناك أخبار متضاربة عن إمكانية إصدار تراخيص مؤقتة، وفحص الطلبات، والآمال هي السماح للجميع بالعمل، وإلا ما معنى أن الإعلام غير المحلي يكاد ينام في أسرة السوريين ويدخل إلى غرف نومهم، ويتمكن من الوصول إلى جميع الأماكن ويحصل على تسهيلات هائلة، بينما يجري الحديث بشكل موارب عن دراسة متأنية بشأن فسح المجال وفق صكوك قانونية للإعلام المحلي.

لا نعلم حتى اللحظة ما هي المعايير، لكن المسار العام إيجابي، إلا إذا كان مؤقتًا بهدف تمرير الوقت.  

ما الدور الذي ينبغي أن يلعبه الإعلام الرسمي في هذه المرحلة الانتقالية؟ وكيف ترى أداءه حتى الآن؟

لا علاقة للإعلام بالمراحل، مؤقتة كانت أم دائمة، فمهمته واحدة في جميع الأوقات، لكن قد تترتب عليه مسؤوليات في تعزيز السلام، ومحاربة خطاب الكراهية، وهذا ينطبق على الإعلام الرسمي والخاص والمستقل.

لست في مكان تقييم أداء الإعلام الرسمي، لكنني أعلم أن هناك مشكلة في بنية الكوادر وخبرتها وتوفرها، وهذا يؤثر في أدائها بالمجمل، الإعلام ليس مجرد ورق أو شاشات أو مواقع ومحتوى رقمي، بل سياسات تحريرية وأخلاقيات ومواكبة وفهم، وحتى الآن ليست هناك ملامح واضحة، لكن هناك نوايا معلنة إيجابية، والعبرة في التطبيق.

ما أبرز التحديات التي يواجهها الصحفيون السوريون اليوم؟ وهل تعتقد أن الحكومة السورية الجديدة تُبدي إرادة حقيقية لفتح الحريات الإعلامية، أم أن الصحافة السورية ستبقى محكومة بخطوط حمراء؟ 

تصريحات الحكومة، ممثلة بوزارة الإعلام، وما جاء في الإعلان الدستوري، تؤكد على ضمان الحريات الصحفية، لكن الصحفيين اليوم يعانون بيروقراطية كبيرة، مردّها إلى آلية الحصول على المعلومة في كثير من الأحيان، وهذا مرتبط، ربما، بمحاولة لتوحيد لغة مؤسسات الدولة في ظروف بالغة التعقيد، لكن هذا ليس مبررًا في مسألة الحريات، فالأصل أن مهمة الإعلامي تسليط الضوء على مواطن الخلل، بذات الوقت الذي يلعب فيه دور نقل المعلومة وتبسيطها، والوساطة بين صانع القرار والجمهور.

اقرأ مقابلة أخرى مع: الصحفي محمد العويد في مقابلة مع درعا 24: جزء من وظيفة الإعلام أن يلعب دوراً محورياً في أي مجتمع

بالنظر إلى التاريخ المشترك بين درعا والسويداء، والذي تحدثت عنه حضرتك مرارًا كصحفي وكابن درعا، كيف تصف العلاقة بين المحافظتين اليوم؟ وما الخطوات التي تراها ضرورية لتعزيز العلاقات؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبه الخطاب الإعلامي في هذا المسار؟

العلاقة بين درعا والسويداء لا تمر بأي ظرف استثنائي، وليست هناك ضرورة للحديث عن علاقة خاصة، فالطبيعة الجغرافية والجوار وتشابه العادات والتكامل الاقتصادي كلّها عوامل موجودة لتكون العلاقة طيبة، وبطبيعة الحال كلنا سوريون ولنا ذات الحقوق وعلينا نفس المسؤوليات، وليس هناك من خطوات إضافية لتعزيز العلاقة، بل هناك حاجة فقط لفهم الظروف الموضوعية، وعدم تسليم مفاتيح العلاقة الاجتماعية لنزعات حزبية أو أيديولوجية، علينا أن لا نسلّم مجتمعنا للخوف، بل للثقة بكل ما سبق من مشتركات ومسؤوليات. 

مما قال الصحفي علي عيد
الصحفي علي عيد رئيس تحرير موقع سيريا انديكيتور في مقابلة مع درعا 24: “إن لم تتحقق التشاركية فهناك مخاطر حقيقية من انقسام مجتمعي”

إلى أين تتجه الأمور في السويداء اليوم؟ وهل تعتقد أن الاتجاه العام نحو التحسّن أم أن التوترات يمكن أن تستمر إلى مرحلة زمنية أكثر من ذلك؟ وكيف ترى الحل في السويداء؟

في السويداء أغلبية ساحقة واقعية، تعي المصير المشترك للسوريين، وهناك فئة محدودة تعيش أزمة، وتحتاج لأزمة كي تستمر، وهذه الفئة تعكّر صفو الحياة داخل السويداء، كما تعكّر العلاقة مع دمشق وباقي مكونات المجتمع السوري، وهذا أمر طبيعي سينتهي بإرادة سكان السويداء أنفسهم، حياة الناس ومصالحها واستقرارها ومستقبل أولادها لا يمكن أن تترك لرغبات مجموعة، وبرأيي أن الفئة المحدودة تغذي وجودها بصنع أحداث وتوترات على حساب حياة الناس.

لا أعتقد أن كل مشكلة السويداء تكمن في تكوين الدولة وبنية الحكم، وهذا لا ينفي حقّ الناس في التعبير عن هواجسهم وآمالهم ببيئة سياسية وأمنية مستقرة وتمثيلية، الحل ليس وصفة جاهزة، والحوار الهادئ سيخرج كل العناصر الشاذة من المشهد.  

فيما يخصّ قرار ضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش السوري، والذي أكده المبعوث الأمريكي إلى سوريا، كيف تنظر إلى هذا القرار؟ وماذا عن الانقسام الواضح في آراء السوريين حوله؟ 

ليس هناك انقسام، هناك سوء فهم بين السوريين، والتفاصيل الصغيرة تؤثر في هذا الفهم.

هناك توافق دولي، على ما يبدو، في قصة المقاتلين الأجانب، وعددهم ليس كبيرًا، ويمكن استيعابهم وتفكيك عقيدتهم القتالية، ولا أعتقد أن مجموعة قاتلت النظام كل تلك السنوات سيسهل التخلي عنها أو بيعها، إذ لا أحد سيشتري أو يستقبل تلك الجماعات التي خرجت من بلادها بسبب تعارضها من السلطات السياسية أو تعرضها لانتهاكات أو ظلم أو تضييق، كما أن التضييق عليهم أو طردهم يعني أنهم سينتقلون إلى خانة الأعداء، وسيدفع العالم ثمناً باهظاً في ذلك.

هناك حكمة تقول: “إذا تعست الأرض ازدهرت السماء”، ويقصد بها أن التطرف الديني له دوافع معروفة، وعندما تزول الدوافع يعود الناس إلى طبيعتهم، ويمكن للمجتمع السوري كعادته على مرّ التاريخ أن يهضم بضعة آلاف، معظمهم متزوجون من سوريات، فالبلد يحتوي قوميات من الشراكس والأرمن والأرناؤوط والكورد والعرب والتركمان والألبان والشيشان وغيرهم، وهؤلاء كلهم جاؤوا عبر التاريخ إلى هذه البلاد واندمجوا فيها وأغنوها.

في النهاية لن يكون اندماجهم عشوائيًا، حسب ظني، فقط على الدولة أن تحسن تدبير اندماجهم، وقد تعهدت بمنع تشكيلهم خطرًا في الداخل والخارج، ثم أحدًا منهم لن ينتزع منزل أحد في أي محافظة أو مدينة.  

هذه البلاد مرّت بظروف لم تشهدها منذ مئات السنين، وانتهت المعركة الأهم بسقوط النظام، يبقى اليوم ترتيب الوضع الداخلي لمواجهة متطلبات المستقبل. 

اقرأ مقابلة أخرى مع: الدكتور عاطف عامر في مقابلة مع درعا 24: “الصوت المدني الآن محاصر، وصعوده مرتبط بصعود دولة القانون”

ما الضمانات التي يمكن أن تقدمها الحكومة السورية الجديدة لضمان عدم تحوّل هؤلاء المقاتلين إلى تهديد مستقبلي سواء لسوريا أو للدول المجاورة؟

يمكن تجنسيهم بشروط، وبطبيعة الحال يمكن للدولة سحب الجنسية ممن ينتهك الشروط أو يرتكب مخالفات جسيمة، كما يمكن تأمين ظروف عمل طبيعية لهم، واعتبارهم مواطنين بكامل الواجبات كما الحقوق، ومراقبة سلوكهم مسألة طبيعية وغير صعبة.  

هل تعتقد أن هناك بدائل أخرى أكثر فاعلية للتعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، بعيداً عن دمجهم ضمن فرقة عسكرية واحدة – إن صحت الأنباء التي نقلتها وكالة رويترز – أو حتى بعيداً عن دمجهم في المؤسسة العسكرية؟

لا اعتقد أن الإبقاء عليهم كتلة واحدة داخل الجيش بعقيدة منفصلة أمرًا سيفوت السلطة في سوريا، هناك هيكلة تم الإعلان عنها، وهي مستمرة، والالتزام بالضوابط مسألة ضرورية، وعلى الحكومة أن تعلن عن نواياها بهذا الشأن، ولا أظن أن الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة ستمرر اندماجهم دون اشتراطات. وربما سيخرج معظمهم من حياة القتال والعسكر إلى الحياة المدنية، وهذا ايضًا يحتاج لترتيبات وضمان حياة كريمة لهم كباقي السوريين.

ضمن التعيينات الأخيرة ضمن محافظة درعا، برزت تعليقات تخصّ اعتماد نمط معيّن في اختيار المسؤولين في المناصب الحكومية، يرتبط بخلفياتهم أو بإقامتهم السابقة في مناطق جغرافية محددة. كيف تقرأ هذا التوجه؟ هل يحمل دلالة معينة أم أنه طبيعي ضمن مرحلة إعادة البناء؟

قرأت لائحة المعايير التي أعلنتها الحكومة ووقع عليها الرئيس أحمد الشرع، بشأن شروط التعيين في مؤسسات الدولة، إن طبقت تلك المعايير فسنكون بخير، ولا يجب أن تخضع التعيينات في المناصب إلا لمعيار الكفاءة.

تركيز السلطة ما قبل القرار الأخير بيد مجموعة، ربما تقصدون انها وقفت بجانب “هيئة تحرير الشام” قبل حلّها أمر مفهوم في المرحلة الأولى، لكن الأمر يجب أن لا يطول، والكفاءة لا ترتبط بولاء سياسي أو أيديولوجي، المسؤولون في الدولة مهمتهم خدمة الناس، ومعايير الفشل والنجاح بسيطة وواضحة، وإن لم تتحقق التشاركية فهناك مخاطر حقيقية من انقسام مجتمعي بسبب الشعور بالإهمال والاستئثار بصنع القرار، إضافة إلى مخاطر الاصطفافات المحلية التي يمكن أن يصنعها هؤلاء بفعل إحساسهم بالقوة والسطوة ودعم المركز المطلق لهم كأشخاص بفعل التشابه الفكري أو العلاقة الخاصة، وهذا ينطبق على البلاد كلّها لا على درعا أو غيرها من المحافظات. 

في النهاية، المواطنون جميعهم هم أولاد الدولة، حتى إن أخطأ الأولاد فهم مسؤولية الأبوة، وأعني الدولة، وعليها تقويمهم وتأمين مأكلهم وأمنهم، العقوبة مهتها الإصلاح وإعادة الدمج، ودون ذلك فنحن نصنع مجتمعًا حاقدًا لا مجتمعًا معافى.

اقرأ مقابلة أخرى: الكاتبة والصحفية  سميرة المسالمة ، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، في لقاء خاص مع شبكة درعا 24

الرابط: https://daraa24.org/?p=50462

موضوعات ذات صلة