أزمة سكن في درعا: إيجارات مرتفعة تفوق قدرة الناس

منزل مدمّر في مخيمات درعا المدينة. (15 أيول 2025)
منزل مدمّر في مخيمات درعا المدينة. (15 أيول 2025)

“الوضع بدرعا صاير كأننا بأوروبا، أجار الشقة الصغيرة بملايين، والمفروش بالدولار، والعقد لازم يتجدد كل ستة أشهر حتى يرجع يرفع السعر عليك”، يلخص محمد الكور بذلك واقعاً يعيشه العديد من سكان محافظة درعا اليوم، بعد أن تحولت الإيجارات إلى هاجسٍ يوميٍّ للعائلات التي تبحث عن بيتٍ تؤوي فيه أفرادها.

يتنقّل محمد 36 عاماً باحثاً عن غرفة أو شقة صغيرة كي يسكنها مع عائلته بعد أن خرج من المنزل الذي كان يسكنه بعد عودة صاحبه الأصلي من بلاد اللجوء. يؤكد في حديثه مع مراسل درعا 24 أن الأسعار لم تعد منطقية، وأن الحلول غائبة. 

هكذا يبدو المشهد العام في درعا وريفها: أزمة سكنٍ تتجاوز حدود الإمكانات وتخنق الحياة اليومية للسكان.

الإيجارات في درعا المدينة بشكل خاصّ مرتفعة جداً

تتصدر درعا المدينة قائمة المناطق الأعلى سعراً في المحافظة، إذ وصلت إيجارات في بعض الأحيان إلى نحو 400 دولار أمريكي شهرياً، مع اشتراط الدفع المسبق لستة أشهر أو سنة كاملة، إضافة إلى كمسيون يدفعه المستأجر لصاحب المكتب أو الدلال. يؤكد مراسل درعا 24 أن أصحاب منازل ودلالالين في مكاتب صاروا يخرجون بعض المستأجرين لتأجيرها بأسعار أعلى.

ويشير إلى أن الشقق غير المفروشة المكوّنة من غرفتين تتراوح بين 800 ألف ليرة سوري أي ما يعادل (75 دولار تقريباً)، ثم ترتفع لتصل إلى 100 دولار أمريكي. بينما البيوت تبدأ بـ 100 دولار وتصل إلى 400 دولار مع اشتراطات متنوعة، واختلاف في الإيجارات بين الأحياء.

تتحدث آية (26 سنة) عن تجربتها في البحث عن منزل برفقة عائلة صديقتها، وتقول للمراسل: 

“أنا وصاحبتي وأمها من شهر نبحث عن منزل لهم، ما خلّينا مكان ما رحناه بكل درعا المدينة وحواليها. لقينا بيت بأول قرية النعيمة بدهم أجاره أربعة مليون ونص، وكمسيون خمسة مليون، دورنا كثير، وأغلب البيوت اللي كنا نلاقيها أسعارها بين ثلاثة ونص إلى خمسة مليون، وبيت ثاني بحي السبيل طلب أربعة ونص مليون وكمسيون وأربعة شهور لقدام”.

وتضيف الشابة: 

“لقينا بيت طلب 800 دولار مقدماً، وكمسيون خمسة مليون. القصة متعبة لكل من يبحث عن بيت، الوضع صار صعب فعلاً”.

الإيجارات مرتفعة بشكل عام وتتفاوت من منطقة لأخرى

في الريف الشرقي من درعا، تبقى أزمة السكن حاضرة بقوة، خاصّةً بعد عودة أعداد كبيرة من النازحين من الأردن ولبنان بعد سقوط النظام، إلى جانب وجود بيوت كثيرة متضرّرة بفعل القصف، اضطر أصحابها إلى استئجار منازل مؤقتة ريثما يُتمّون ترميم بيوتهم، ما زاد الضغط على السوق بشكل غير مسبوق.

في بلدات مثل معربة وغصم والجيزة والطيبة وبصرى الشام وخربة غزالة، أصبح من النادر العثور على بيت فارغ من غرفتين. ووفق ما رصده مراسل شبكة درعا 24 هناك، تتراوح الإيجارات حالياً بين 400 و600 ألف ليرة سورية شهرياً (أي ما بين 35 و 51 دولار أمريكي) وأحياناً تصل إلى 100 دولار أمريكي بحسب موقع المنزل وحالته.

أما في مدينة الحراك، فتُعد من أغلى مناطق الريف الشرقي، إذ يتراوح إيجار الشقق النظيفة (من غرفتين أو ثلاث) بين 100 و150 دولاراً شهرياً، في حين لا تتجاوز الإيجارات في القرى المحيطة بها 100 دولار في الغالب.

إلى الريف الغربي، في مدينة نوى بريف درعا الغربي، تجاوزت الإيجارات 150 دولاراً في الأحياء القريبة من السوق، بينما تتراوح في الأحياء البعيدة بين 50 و70 دولاراً، وغالباً ما تكون المنازل هناك متضررة وتحتاج إلى ترميم يتكلفه المستأجر نفسه. بعض تلك المنازل تعود لمغتربين أو متوفين، وتُعاد تأهيلها بشكل بسيط لتصبح مأوى لعائلات لا تملك بديلاً. 

عرضت جمعية الإمام النووي الخيرية في مدينة نوى، شققاً في بناء لها، للإيجار بسعر 700 ألف ليرة (أي قرابة 60 دولار) للشقة الواحدة، لكنها أُجرت جميعها بعد الإعلان مباشرةً.

أما في مدينة طفس غرب درعا أيضاً، فلا يختلف المشهد كثيراً. تتراوح الإيجارات حالياً بين 700 ألف (أي قرابة 60 دولار) ومليون ليرة (أي قرابة 85 دولار) شهرياً للشقق من غرفتين أو ثلاث. وتدفع الغالبية شهرياً. هناك أيضاً منازل مستقلة يضع أصحابها من يسكنها فقط لحمايتها، دون مقابل مادي.

رسم بياني يوضح تفاوت أسعار الإيجارات الشهرية في بعض مناطق محافظة درعا – تشرين الثاني 2025
رسم بياني يوضح تفاوت أسعار الإيجارات الشهرية في بعض مناطق محافظة درعا – تشرين الثاني 2025

حلول مبتكرة: كرفانات بدل البيوت

في ظل الغلاء الفاحش وندرة المساكن، لجأ عدد من سكان درعا إلى حلول بديلة لتأمين مأوى لعائلاتهم. فبعضهم اضطر إلى شراء كرفانات جاهزة رغم أسعارها المرتفعة، إذ يصل سعر الغرفة الواحدة إلى نحو 400 دولار، فيما تتراوح الكرفانات ذات المساحة الأكبر بين 800 و1200 دولار بحسب المساحة والتجهيزات.

يقول أحد الأهالي في بلدة خربة غزالة إن بعض العائلات استدانت لشراء كرفانات، بينما لجأت أخرى إلى وضع الكرفانة في أراضٍ حكومية أو خاصة بعد أن عجزت عن العثور على منزل للإيجار. وتوجد كرفانات مستعملة بأسعار أقل، لكنها غالباً ما تحتوي على عيوب أو نواقص.

وبحسب شهادات من الأهالي، باتت الكرفانات مشهداً مألوفاً في العديد من القرى في المحافظة، خصوصاً بعد أن أصبحت الإيجارات بالدولار فوق قدرة معظم العائلات. وتعتمد عائلات أخرى على أبنائها المغتربين لتسديد الإيجار أو تكاليف السكن البديل.

كرافانة من غرفتين في ريف درعا.
كرافانة من غرفتين في ريف درعا.

جذور أزمة السكن

لم تبدأ أزمة السكن في درعا اليوم، بل تمتد جذورها إلى ما قبل سقوط النظام، حيث تراجعت الحركة العمرانية خلال سنوات الحرب، فضلاً عن المنازل التي دُمّرت. 

اليوم، يعيش معظم السكان أوضاعاً اقتصادية دون المتوسطة، وفرص العمل قليلة مقارنة بعدد الأيدي العاملة. كثير من العائلات تعتمد على دعم أبنائها المغتربين، فيما يعتمد آخرون على أعمال حرة شاقة بالكاد تغطي نفقات المعيشة أو الإيجار.

كما تسبّب ضيق المساكن وندرتها في تحوّل البيوت إلى مأوى جماعي لعدة عائلات في آن واحد، خاصة تلك التي تضررت جزئياً من الحرب. ومع هذا التزاحم تنشأ نزاعات يومية.  

يبقى سكّان محافظة درعا التي أنهكتها الحرب وغلاء المعيشة، وسط مزيد من الأزمات حتى تحوّل الوصول إلى سقفٍ يأوي الأسرة مستحيلاً، وصار الإيجار عبئاً مستمراً يهدّد استقرار العائلات.

الرابط: https://daraa24.org/?p=54693

موضوعات ذات صلة