تؤكد السيدة سميرة، 64 عاماً، من مدينة طفس غربي درعا، أن جميع الأدوية التي تتناولها بشكل شبه دائم أصبحت متوفرة بشكل أكبر مقارنةً بما قبل سقوط النظام. لكن المشكلة الأساسية كما تشرح لمراسل درعا 24 هي في أسعارها التي ما تزال مرتفعة.
تقول السيدة: “صحيح إن الأدوية موجودة وما في نقص مثل قبل، بس أسعارها ما تغيرت. وفي كل شهر بحتاج أدوية. والدخل الشهري ما بيكفي لتغطية حاجات البيت الأساسية، فكيف بدنا نتحمل تكاليف الأدوية وأسعارها بهذا الشكل؟”.
لا انخفاض ملموس في أسعار الأدوية
يتطابق كلام السيّدة سميرة مع ما أفاد به الصيادلة الذين تحدثت إليهم شبكة درعا 24، حيث يؤكدون أن أسعار الأدوية السورية ما زالت مستقرة عند مستوياتها السابقة، دون أن تشهد انخفاضاً ملموساً. ومع ذلك، فقد تحسّن توفرها بشكل كبير مقارنة بالسنوات السابقة. معظم الأدوية التي كانت تُعتبر مفقودة أصبحت متوفرة في الأسواق، خصوصاً تلك التي يتم تصنيعها محلياً في معامل سورية أو تلك التي تُستورد من دول الجوار.
سابقاً، كانت هناك شركات أدوية تخضع لسيطرة شخصيات محسوبة على النظام المخلوع، التي كانت تتحكم بكل مفاصل الاقتصاد السوري بشكل عام، كان على رأسهم أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد. بحسب أصحاب معامل فقد كان يتم تصدير إنتاج الكثير من الأدوية إلى العراق ودول أخرى، وأن التوفر يبدو أفضل اليوم نتيجة توقف ذلك.
يقول أبو محمد، 40 سنة، مصاب بمرض السكري: “ما عاد في أي مبرر لارتفاع أسعار الأدوية بهذا الشكل. أيام النظام كانوا يقولوا إنو السبب هو ارتفاع سعر الدولار، والضرائب، والإتاوات اللي كانت تندفع للحواجز، التابعة للفرقة الرابعة وغيرها”.

يوضح هذا المواطن بأن كل هذه الأسباب زالت بعد سقوط النظام، ومع ذلك أسعار الأدوية ما تزال مرتفعة. متسائلاً: “لماذا لم يخفضوا الأسعار؟”.
يعزو الصيادلة السبب عدم الانخفاض إلى عدم خفض الأسعار من معامل الأدوية. في حين تغيب الرقابة بشكل شبه كلّيّ على عمل الصيدليات ومعامل الأدوية.
الأدوية الأجنبية: انخفاض طفيف
وفقاً لأحد الصيادلة في ريف درعا الغربي فقد شهدت أسعار الأدوية الأجنبية انخفاضاً طفيفاً في أسعارها نتيجة لتغيرات الجمركة وتحسّن أسعار صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي. وفي المقابل بدأت شركات الأدوية في شمال غرب سوريا، بالوصول إلى درعا، والتي أحدثت فرقاً في الأسواق، بفعالية موادها الأولية.
أدوية معامل إدلب: أسعار منافسة وجودة مرتفعة
مع سقوط النظام وفتح مناطق جميع مناطق سوريا على بعضها وصلت الأدوية من معامل وشركات شمال غرب سوريا إلى درعا، منها شركة “ريفافارما” الموجودة في إدلب، والتي طرحت منتجاتها بأسعار قريبة من الأدوية السورية الأخرى، وأحياناً بأسعار أقل.
حسب أحد الصيادلة لشبكة درعا 24، فإن الأدوية القادمة من إدلب يشترونها من الموزعين بالدولار، أو وفقاً لسعر الصرف، مما يجعلها تنافسية السعر مقارنةً مع الأدوية المحلية الأخرى. ويُشير إلى أن فعالية أدوية إدلب، التي تعتمد على مواد فعالة مستوردة من أوروبا، تُعدّ جيدة بل وأحياناً أفضل من الأدوية الوطنية الأخرى، والتي تعتمد بشكل رئيسي على المواد الأولية المستوردة من دول آسيا أو الصين بشكل خاصّ.
حصلتْ الشبكة على نسخة من أسعار بعض الأدوية من شركة “ريفافارما” والتي طرحت منتجاتها ببرنامج العراب (نظام تسعير الأدوية للصيدليات بالدولار الأمريكي)، ساهم ذلك في دخول الأدوية إلى الأسواق بأسعار أكثر استقراراً مقارنةً بالأدوية الوطنية التي تتأثر بتقلبات السوق المحلية.
سوق الأدوية المهربة: نشاط متزايد وانخفاض نسبي
لا يزال سوق الأدوية المهربة نشطاً في درعا، بل ويشهد ازدهاراً بسبب دخول كميات كبيرة من الأدوية من تركيا ولبنان، دون قيود. يشير عدد من الصيادلة في المنطقة الغربية من درعا إلى أن غياب الحواجز وانتهاء الإتاوات على الطرق، ساهم هذا الوضع، إلى جانب انخفاض سعر الصرف، في جعل أسعار الأدوية المهربة أقل تكلفة نسبياً.
رغم ذلك، يبقى المرضى – مثل السيد سميرة وأبو محمد – في الغالب، ملتزمين بالأدوية التي يصفها الأطباء، سواء كانت محلية أم أجنبية، بناءً على ثقتهم بهم، وبفعالية الأدوية التي يصفونها ومدى مناسبتها لحالتهم الصحية، حيث الطبيب مَنْ يحدد الدواء.
المعامل المحلية: خطوات بطيئة نحو التنظيم
على الصعيد الرسمي، كشف رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، محمد نبيل القصير، أن الأدوية المنتجة في إدلب تم ضخها في السوق المحلية. وأضاف أن هناك ثلاثة معامل دوائية تعمل حالياً في سوريا، وأربعة أخرى قيد الإنشاء.
وفي تصريح سابق، أوضح القائم بأعمال وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة، ماهر الشرع، أن سوريا تمتلك أكثر من 100 معمل أدوية، لكنه أشار إلى وجود عشوائية في التصنيع الدوائي. وأضاف أن الوزارة تعمل على فرض “سلل دوائية” على المعامل لتصنيع الأدوية التي يحتاجها السوق، بهدف تجاوز أزمة نقص الأدوية في الصيدليات.
مؤكداً أن المعامل في سوريا كانت تصنع الأدوية ذات المواد الأولية رخصية الثمن وعالية الربح ولا تصنِّع حسب حاجة السوق.
يبقى الأمل معقوداً على خطوات حقيقية لتحسين الوضع الدوائي في درعا وسوريا عامّةً، سواء من خلال ضبط الأسعار وتشديد الرقابة على السوق، أو تعزيز إنتاج المعامل الوطنية بما يلبي احتياجات المرضى بأسعارٍ معقولةٍ. في الوقت ذاته، يجد المرضى أنفسهم في حيرةٍ من أمرهم بين البحث عن البدائل الأقل كلفة والالتزام بما يصفه الأطباء.
الرابط: https://daraa24.org/?p=48174