دبكة الجوفية

تعتبر الأغنية الشعبية جزءاً من التراث الشعبي المشترك في حوران (السهل والجبل ومنطقة اللجاة). تُغنّى باللهجة المحكية وتلتزم أوزاناً وبحوراً شعرية محددةً، يؤدى بعضها بشكل فردي كغناء المسير والزفة والهجيني والشروقي والقصيد الذي يشتهر به بشكل خاص أهل اللجاة، فيما يُؤدى بعضها بشكل جماعي، كالحداء الذي تصدح به حناجر الفرسان على ظهور الخيل والهجيني الذي يؤدى بشكل فردي وجماعي.

تحتل الأغاني الشعبية والدبكة والعزف على المجوز والشبابة والربابة مكانة خاصة لدى جميع قرى هذه المناطق بدءاً من السويداء ومروراً بدرعا وصولاً إلى القنيطرة. فالمجوز لا يمكن أن يغيب عن أي مناسبة من مناسبات أبناء تلك المناطق، والشخص الذي يتقن العزف على هذه الآلة يستطيع أن يشارك في الأفراح في أي منطقة في السهل والجبل والجولان، ويستطيع أن يُدخل الفرح والسرور لقلوب الجميع، لأن الألحان والأهازيج الشعبية واحدة مشتركة في جميع هذه المناطق.

الأغنية الشعبية في حوران

فيديو حول الأغنية الشعبية في حوران سهلاً وجبلاً

الأغنية الشعبية في حوران سهلاً وجبلاً

وأشهر الأمثلة على الأغاني الشعبية هي الأغنية التي يعرفها جميع أهل حوران، “ثوبك يلي تجرينه” فهي مشتركة بين مختلف المناطق باللحن مع اختلاف بسيط في بعض الكلمات، وذلك تابع لاختلاف اللهحة، فأهل الجبل يقولونها كالتالي:

ثوبك يلي تجرينه يلا يلا  .. بالإبرة والسنارة دخيل الله 
ولفك يلي هويتينه  يلا يلا .. اسمر و بإيده ساعة دخيل الله

بينما أهل سهل حوران يؤدونها على هذا الشكل:

ثوبك يلي تجرينه هالله هالله .. طير عجاج القاعة دخيل الله
شويقك يلي هويتينه هالله هالله .. راح وخلاك بساعة دخيل الله
أغنية ثوبك يللي تجرينه في السهل والجبل

الهجيني

  اشتقّ اسم “الهجيني” من الهِجِن وهي الإبل المروّضة المخصصة للركب والسباق فقط، وهي تختلف عن إبل حمل الأثقال وإبل اللّحم، فهي خفيفة متناسقة الجسم، سريعة، والهجيني شعر غنائيّ موزون مقفّى يتناول شتّى مناحي الحياة، ويغنّى في الغزل والنسيب والفخر والهجاء والمدح، ويغنّى بلحن يتناسب مع حركة سير الإبل.

ويُغنى الهجيني بشكل فردي أو جماعي حيث تتقابل مجموعتان وتبدآن بالغناء، ويُغنّى الهجيني مع آلة الربابة وهي ألة موسيقية قديمة بوتر واحد، وينتشر في حوران بعض مناطق درعا والسويداء وبشكل خاص في منطقة اللجاة.

ومن قصائد الهجيني التي تُغنّى على الربابة: قصيدة «يا دار مالك ساكتة ما تجيبين» من تأليف الدكتور إبراهيم محمد الحريري من بلدة بصر الحرير في ريف درعا الشرقي.

يا دار مالك ساكتة ما تجيبين
يا دار ردّي من بعيد السّلامات
من كم سنة يا دار واحنا غايبين 
 يا دار برضى شوفتك بالمنامات

للاستماع للقصيدة مُغنّاة على الربابة مع الكلمات:

قصيدة (يا دار مالك ساكتة ما تجيبين)، مغناة على الربابة

يادار مالك ساكتة ما تجيبين- على الربابة

ولا بد من ذكر الأغنية المشهورة «محبوب قلبك بالهوى سميتني» التي غنَّاها العديد من الفنانين في حوران والوطن العربي وهي من كلمات الشاعر «سلمان نفاع» وهو من قرية امتان جنوب محافظة السويداء:

محبوب قلبك بالهوى سميتني       ومن بعد ما سميتني سميتني
عليتني عجوانحك فوق السما       ومن بعد ما عليتني عليتني
عليتني عجوانحك فوق السما       وبلشت تحكي بالإشارة والومى
جريتني من الظلم بميل العمى     ومن بعد ما جريتني جريتني
عودتني اقضي حياتي بالسجون      لاعطف صافي ولا قلب يخفق حنون
سليتني بلغة جفونك والعيون      ومن بعد ما سليتني سليتني
يا ريتني ما جيت زرتك بالمزار   وذكرتني بأيام ما كنا زغار
خليتني تافظت بكل السرار        ومن بعد ما خليتني ...خليتني
يا ريتنا بالعمر ما اسهرنا سوى  وغنيتلك نغمات قلبي اللي انكوى
جليتني تاصرت أعلى من الهوى     يا ريت ما جليتني وجليتني
كنا نقضي الليل ضحك وتكتكي      قلبي احترق يا صاحبي وقلبك بكي
مليتني لمز وصفا وغمز وحكي      علواه ما مليتني ومليتني
وحياة عينك بعدنا بدم الشباب    بعاهدك للموت رح نبقى حباب
حليتني يا زين من رشف الرضاب    ومن بعد ما حليتني حليتني
تذكر ليالينا الكانت للصباح     ضحك وأغاني وقهقهة وجد ومزاح
غليتني بنظرات أقوى من السلاح    يا ريت ما غليتني ...وغليتني
يا حبيبي رغم بعد المنطقة       صورتك بالقلب لسه معلقة
شليتني وعلمتني حب الشقى        ومن كثر ما شليتني ...شليتني
الله كريم نعود من بعد السنين      ونحيي الليالي السابقة بحب وحنين
صليتني بنيران حبك هالثمين      يا ريت يوم صليتني ..صليتني
فرحتني بأيام ما طالت بنا      حسبتها كل يوم ستعشر سنة
زودتني بحسرات بتهد البنى      هميتني من كثر ما هميتني

أهازيج موسم الحصاد

حافظ أهل حوران على كثير من العادات والطقوس الاجتماعية، القديمة مثل الأهازيج التي كانوا يرددونها أثناء العمل في الحصاد، وبما أن أهالي حوران يشتهرون بالزراعة فكانت الأغاني مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأرض ومواسم الحصاد، وحرث الأرض وزراعتها ثم حصاد المحاصيل، وبما أن هذه العملية كانت تتم بطريقة بدائية فكان الغناء هو الوسيلة لشد الهمم وقضاء الوقت الطويل في العمل المتعب.

يقول الباحث في التراث الحوراني “نضال شرف” من مدينة نوى غربي درعا في كتابه «القمح الحوراني بين التاريخ والتراث» بأن الفلاح الحوراني أبدع في العتابا، وأعطى لحناً صافياً معتمداً على قوة صوته مبيناً أن الشروقي من الغناء العربي الأصيل، وكذلك منظومة الهجينية الشعبية التي تعبر عن أحاسيس الفلاح. ويضيف أن أغاني نثر البذور وحراثتها تتميز بلحنها الطويل لتتناسب مع العمل اليومي الشاق من الصباح الباكر إلى المساء. مثل “غني وراها شروقي غني وراها شروقي .. يالي تحرث على الفدان غني وراها شروقي”.

 وعن أغاني الحرث يوضح الباحث في التراث بأنها تظهر الهم والضيم والتعب، بسبب الضغط والاستغلال الذي كان يمارس على الفلاح قديماً، مشيراً إلى أنه من أغاني الهجيني الشعبي القديم ردد الفلاح في السهل والحقل ألحاناً صافية جميلة، مثل:

البارحة من الحرث حليت     وشفت الغزيل على دربي
حبه بقلبي بنى له بيت      يفتح شبابيك على الغربي
يا قذيلته مدهنة بالزيت     يوم أني شفته شلع قلبي
image 11
المحراث القديم

أما أبو محمد السلامات من ريف درعا الشرقي فيستذكر في حديثه مع مراسل درعا 24 عندما كان يذهب برفقة والده إلى بذار القمح وحرث الأرض. يقول: “كنا نقضي وقتاً طويلاً ومتعباً، حيث لم يكن وقتها سوى المحراث اليدوي، وكان أبي يغني طوال الوقت وقد حفظت الكثير من الأغاني منه وصرت أغنيها عند العمل».

اقرأ أيضاً: الدبكات الشعبية في حوران

أما عن وقت الحصاد الذي كان يتم سابقا بطريقتين إما باليد أو بالمنجل: وتسمى الأولى بـ “الزحفة” حيث يتم فيها استخدام اليد دون المنجل، وكانت تُستخدم هذه الطريقة عندما يكون القمح قصيراً، أو يتبعونها الأطفال الذين لا يستطيعون استخدام المنجل، والثانية “بالمنجل” أو الحاشوشة باللهجة الدارجة، وهي تشبه المنجل لكن نصف دائرتها أصغر. وفق ما أوضحه لنا “السلامات”، ويقول: “كنا لا نذهب إلى الحصيدة إلا بأيام الندى، حيث تكون السنابل رطبة، كي لا تقع على الأرض أثناء الحصاد”. ومن أشهر أغاني الحصاد:

يا أم العرجة ميلي جاي .. مشان الله ميلي جاي
زرعنا واحنا أصحابه .. بالمناجل ما نهابه
زرعنا دلى أعنوقه .. بالمنجل حنا انسوقه 
image 12
حصاد القمح بواسطة المنجل (الحاشوشة)

أما وقت “الدراس” أو البيادر، والتي كانت تتم على لوح من الخشب أو الحديد وتثبت به أحجار من الأسفل ويربط برقبة الثور أو البغل، ويقف عليه أحد الشباب ويُسمى لوح الدراسة ومن أغاني البيادر:

نسف يا طبقنا .. تا نلحق رفقنا
رفقنا صبحيهْ .. وارده عالميه
لاحقها شبين .. واحد اسمه سلامه
على خده علامه .. والعلامة بالصندوق
والصندوق ماله مفتاح .. والمفتاح عند الحداد
والحداد بدو بيضه .. والبيضه تحت الجاجة
والجاجة بدها قمحه .. والقمحه تحت الداروس
والداروس بدوعروس .. تفرش وتنام بحدو
والمعلم بدو موس .. تا يزين حنجرته
دراسة الحمص على لوح الدراسة قديما
لوح الخشب الذي كان يستخدم لاستخراج حبوب الحبوب (الدراسة)

أغاني الأعراس

وهناك الكثير من الأغاني التي تغنى في الأعراس سواء في التعليله أو أثناء زفة العروس

ومن هذه الأغاني

جتنا البنية تجرَ الثوب تمشي على ناعم الريشِ
ويا صيت ابوها بين العربان، مع دقاقين المهابيجِ

وكذلك الأغنية المشهورة من مفرق جاسم للصنمين:

من مفرق جاسم للصنمين              حاجة تهلّي الدمع يا عيني
على وليف كان مسلّيني                واصبحت مفارق سود العيونا

تشكل هذه الأغاني الموروث الشعبي لأهل حوران، وهي ناتج عفوي اجتماعي للتعبير عن مكنونات قاطني هذه المنطقة، حيث هي تعبير عن مشاعرهم وعواطفهم وانفعالاتهم، وشكلت الذاكرة الجمعية لأهل حوران منذ مئات السنين.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=25386

Similar Posts