يرى السيد أبو ياسين مختار إحدى قرى الريف الشرقي من محافظة درعا، أن هناك أسباب عديدة لـِ الانتحار فالكثير من الشباب في حوران وضعهم صعب جداً، فلا يوجد فرص عمل و لم يُكمل الكثيرون منهم تعليمهم. يقول في حديثه مع مراسل درعا 24: “الكبتاغون يُباع على البسطات، والأب إما ميت أو مفقود أو مهاجر. والدولة ليس لها علاقة وهي لا تعتبر أن عليها واجبات”.
يضيف: “بدل لوم الشباب على أي تصرف – طبعاً أنا لا أبرر لهم – يجب أن نقوم بواجباتنا على قدر المستطاع وأن نساعدهم”. حيث يرى أننا أمام مشكلة طارئة على مجتمعنا ومناقضة لعاداتنا وموروثنا مدمرة لقيمنا الاجتماعية والثقافية، ألا وهي الانتحار، والتي يجب تكثيف الجهود لحلها.
بدورها الاخصائية الاجتماعية الدكتورة هدى تقول لمراسل درعا 24: “لا شك أن الأسباب وراء حالات الانتحار تعود الى الأزمة السورية الحالية، وأن إيجاد حل لها والقضاء عليها، هو في تحقيق الاستقرار، وقيام سلطة تتحمل مسؤوليتها”.
وتُعقّب أن الانتظار حتى إيجاد حل لما يحصل في سوريا، وعدم إيجاد حلول لمواجهة مشكلة الانتحار، سيفاقم هذه المشكلة، ويزيد من انتشارها. فالأمر لا يحتمل التسويف ولا الانتظار، ولا بد من الشروع فوراً في رسم آليات المواجهة ووضعها حيز التنفيذ.
إقرأ أيضاً: الانتحار مشكلة طارئة على المجتمع في درعا (1/3)
إنشاء مراكز لتقديم الدعم النفسي
تحدثت شبكة درعا 24 إلى مدير إحدى المنظمات غير الحكومية التي عملت في الجنوب السوري قبل العام 2018، والذي يرى أنه لمواجهة مشكلة الانتحار، يجب تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للمواطنين، من خلال إنشاء مراكز تقديم الدعم النفسي وبرامج إعادة التأهيل.
ويوضح بأن هذا يتطلب توفير التدريب للعاملين في المجال النفسي والاجتماعي، للتعامل مع حالات الصدمات النفسية بشكل فعال، “يمكن أن يسهم في تقليل معدلات الانتحار”، وفق قوله.
يؤكد بأنه لتنفيذ هذا لا بد من عودة منظمات العمل الانساني الى الجنوب السوري، ولا سيما محافظة درعا: “هناك حاجة ماسّة لأنشطة التوعية حول خطورة الانتحار، سواء على شكل جلسات أو حملات، ولا بد من مبادرات مجتمعية يُشرف عليها القادة المجتمعيون والمؤثرون اجتماعياً وكذلك لا بد من إعادة إحياء برامج الدعم النفسي والاجتماعي والصحة النفسية التي تقودها المنظمات غير الحكومية. وهذا كله لا بد أن يترافق مع برامج التمكين الاقتصادي الموجهة خاصة إلى الشباب والنساء، والتي تتضمن أنشطة التدريب المهني ودعم المشاريع الصغيرة ومشاريع سبل العيش”.
ويختم حديثه: “للمعالجة على مستوى الفرد أعتقد أن تدخل إدارة الحالة المتكاملة فعال جداً، وأنا على إطلاع على تجارب جيدة وقصص نجاح كبيرة لهذا التدخل في منطقة شمال غرب سوريا”.

التصدّي لانتشار المخدرات
يعتبر انتشار المخدرات واحداً من أهم الأسباب وراء انتحار العديد من الشباب واليافعين في حوران، والتصدي لهذه الظاهرة يعتبر من أهم المعالجات لهذه المشكلة. يلخص (الدكتور بسام، وهو اسم مستعار) طرق التصدي لظاهرة المخدرات: “للأسف اطلعت على أكثر من حالة انتحار لشباب في حوران في السنوات الخمسة الأخيرة، كان سببها إما جرعة زائدة من المخدرات، أو اضطرابات نفسية سببها التعاطي. وهنا على السلطات على الأرض بغض النظر عن تفاصيلها الضرب بيد من حديد واجتثاث إنتاج وترويج المخدرات في المحافظة، بالاضافة الى دعم مراكز الاستشفاء ومعالجة الإدمان وزيادة عددها، وأن تقوم بدورها كما يجب لا أن تكون صورية ومهملة كما هي الآن، هذا في حال وجودها”.
ويشرح بأنه لا بد كذلك من حملات التوعية المجتمعية للتحذير من المخدرات، ويعتقد أن رجال الدين والإعلام يجب أن يكون لهم دور إرشادي وتوعوي مهم.
حشد الطاقات لإنشاء مشاريع لتشغيل الشباب
تحدثت الشبكة أيضاً إلى أستاذ جامعي في الإدارة والاقتصاد من أبناء حوران، والذي يعتبر أنه من العبث في الظرف الحالي انتظار حل من الدولة أو الفصائل على الأرض، فهي جزء من المشكلة، وليست عامل من عوامل الحل، من وجهة نظره.
يرى الدكتور الجامعي أن الحلول يجب أن تكون مجتمعية: “أهل حوران قادرين على ذلك، لكن جهودهم بحاجة تنظيم و توجيه، ولا شك أن أسباب الانتحار كثيرة، لكن بالنسبة للشباب يعتبر انعدام الأمل وعدم الحصول على عمل من أكثر الأسباب التي تؤدي بالشباب إلى التفكير بحلول انهزامية ضارة عليهم وعلى أسرهم ومجتمعهم”.
ويتابع بأنه على المجتمع حشد وتوجيه طاقاته لملء هذه الفجوة. ويعطي مثالاً على ذلك: “يتم تحويل مبالغ مالية كل شهر من أهل حوران في المهجر إلى ذويهم في حوران. المطلوب هو تنظيم هذه الأموال وتوظيفها في إيجاد فرص عمل للشباب على شكل مشاريع فردية أو جماعية أو دعم مشاريع قائمة أو متعثرة”.
كذلك يرى أنه في رمضان – على سبيل المثال – يتم جمع تبرعات بمبالغ كبيرة لتوزيع الخبز طيلة الشهر في كثير من القرى، ويؤكد على أهمية هذا العمل، لكنه يتساءل: “تخيل لو تم توظيف هذه المبالغ الضخمة، في إنشاء مشاريع لعدد من الشباب ألن يكون الأثر أكبر؟ هذا مثال بسيط والأمثلة في هذا الصدد كثيرة”.
إقرأ أيضاً: العنف ضد المرأة في حوران: ما هي الحلول؟
الوعظ والإرشاد الديني لمحاولة مواجهة الانتحار
الشيخ أبو إبراهيم إمام وخطيب في الريف الشرقي من محافظة درعا، يقول لمراسل درعا 24: “يجب أن يركز الخطباء والوعاظ على التحذير من الانتحار، ويستخدموا في خطبهم الآيات والأحاديث ذات الصلة، والتي تبين حرمانية الانتحار”.
ويوضح بأن من هذه الادلة: قوله تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾) سورة النساء الأية 29 و 30. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) متفق عليه.
ويضيف: “كما يجب أن تتضمن الخطب والدروس الدينية حلولاً لمواجهة الانتحار كالحث على الصبر وأجره العظيم (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وأن الدنيا دار ابتلاء وأن الآخرة هي دار البقاء”.
يختم الشيخ: “دور الموجهين التربويين ومدرسي التربية الدينية في المدارس لا يقل أهمية عن دور الخطباء والوعاظ في التحذير من هذه المشكلة الكبيرة”.
وتبقى معالجة مشكلة الانتحار في درعا وسوريا بشكل عام، تتطلب جهداً متكاملاً يشمل الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك من خلال تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية وزيادة التوعية، وصولاً إلى توفير بيئة أكثر استقراراً وأماناً للسوريين.
الرابط: https://daraa24.org/?p=42599