التنقيب العشوائي عن الآثار
من آثار مدينة بصرى الشام

تزخر الأرض في محافظة درعا جنوب سوريا، بتاريخ يمتد لآلاف السنين، مع مواقع أثرية تعود إلى مختلف الحقب الزمنية، من العصور البرونزية والرومانية إلى الإسلامية. لكن هذه الكنوز التاريخية أصبحت في مرمى التنقيب العشوائي والتهريب، وسط غياب تام للرقابة وسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

مواقع أثرية تعرضت للتدمير والتخريب:

درعا، المعروفة بثرائها التاريخي، تحتوي على مواقع أثرية مهمة تُعتبر شاهداً على الحضارات التي مرت على المنطقة. خلال سنوات الحرب، تعرضت هذه المواقع للقصف والتخريب والتنقيب غير المشروع. من أبرز هذه المواقع:

 تل أم حوران
أحد أهم المواقع الأثرية في  نوى بدرعا، ويعود تاريخه إلى العصور البرونزية، حيث يضم بقايا أثرية تعكس تطور الحضارات القديمة. تعرض التل للتنقيب العشوائي باستخدام أدوات ثقيلة، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه.

 بصرى الشام
تضم المدينة القديمة والمدرج الروماني، أحد أهم معالم سوريا المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو. رغم أهميته، تعرض المدرج والمدينة لأضرار جراء القصف، إضافة إلى عبث المنقبين الذين دمروا أجزاء من الموقع بحثاً عن الكنوز.

 تل شهاب
تحتوي البلدة على بقايا من العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية. تعرض للتخريب والتنقيب غير الشرعي والقصف، مما أدى إلى فقدان معالم أثرية هامة فيه.

خربة غزالة

تضم البلدة آثاراً رومانية وبيزنطية، تعرضت للقصف خلال العمليات العسكرية. بعد الدمار، أصبح هدفاً للمنقبين الذين استغلوا الفوضى الأمنية لنهب القطع الأثرية وبيعها.

محطة القطار في خربة غزالة
محطة القطار في خربة غزالة

 قرى الجيدور الأثرية
وهي منطقة تضم عدة قرى أثرية تعود إلى فترات مختلفة. تعرضت المواقع فيها للتخريب الكامل بسبب التنقيب العشوائي والقصف الممنهج.

تعرّضت أيضاً مواقع أخرى كثيرة في مختلف أنحاء درعا للتخريب خلال السنوات الـ 13 الماضية، وغاب الاهتمام عن معظمها.

شهادة لأحد المنقّبين

في لقاء مع “أحمد” وهو اسم مستعار لأحد المنقبين المحليين في درعا، تحدث عن معاناة السكان المحليين ودوافعهم للتنقيب: “البحث عن الآثار ليس خياراً سهلاً، ولكنه أصبح وسيلة للبقاء على قيد الحياة. نحن نعيش في ظل أوضاع اقتصادية كارثية، ولا نجد بديلاً لتأمين لقمة العيش. ندرك أن التنقيب يدمر تاريخنا، لكن الفقر والبطالة دفعانا لاتخاذ هذا الطريق”.

مسؤولية المجتمع المحلي

يقول السيد عبد الرحمن الحوراني، أحد أعيان المجتمع المحلي في مدينة نوى في الريف الغربي من محافظة درعا، في تصريح خاص لشبكة درعا 24: “نحن كأبناء درعا نتحمل جزءاً من المسؤولية في حماية إرثنا التاريخي. صحيح أن الفقر دفع البعض للتنقيب، لكن هذه الكنوز هي هويتنا وتاريخ أجدادنا. يجب أن نتكاتف لنحمي ما تبقى من آثارنا من أيدي العابثين والمهربين. لقد بدأنا في بعض القرى بمحاولات لتنظيم حملات توعية بين الشباب، ونعمل على توجيههم نحو بدائل أخرى يمكن أن توفر دخلاً بعيداً عن التنقيب غير المشروع”.

وأشار الحوراني إلى أهمية دور المجتمع المحلي في التصدي لهذه الظاهرة، مضيفاً: “المجتمع هو خط الدفاع الأول عن الآثار. إذا وعى الأهالي أهمية هذه المواقع، فلن يسمحوا لأي شخص بتدميرها أو سرقتها. نحن بحاجة لدعم دولي ومحلي لخلق فرص عمل ولإعادة الأمل لشبابنا، فالأزمة أكبر من أن يتحملها المجتمع وحده”.

تأثير التنقيب على الهوية الثقافية للبلد

يقول السيد نضال شرف، أبو عمران، الباحث الأثري والمؤلف لعدّة كتب حول تاريخ حوران، مسلطاً الضوء على خطورة الظاهرة في تصريح خاص لموقع “درعا 24”: “التنقيب العشوائي لا يسرق فقط القطع الأثرية، بل يدمر السياق التاريخي الذي يمكن من خلاله فهم هذه الحضارات. عندما تُفقد قطعة أثرية، نفقد معها جزءاً من هويتنا الجماعية وتاريخنا المشترك. المواقع في درعا، مثل بصرى الشام وتل الأشعري، هي شواهد على وجودنا وثقافتنا. تدميرها يعني تدمير جزء من الهوية السورية”.

AD 4nXdQkhLtHMLYiW36ArKwug16xTjCJE gTrMCud6 zGqwGz2RF6VK10ba6Hx5OQmEX7Gj62COQVJKIymbdGG32mRuiCu9OFF yqkAXMmYfWFgZ HqLIClQjDEasQa1wJaTKIBr RlVg?key=9I88JhsCK9p4OLUaOPbXivci
الباحث نضال شرف أبو عمران من مدينة نوى

ودعا الباحث المنظمات الدولية المعنية بالآثار، مثل اليونسكو والمجلس الدولي للآثار، إلى التدخل العاجل لحماية المواقع الأثرية في درعا. وأضاف: “يجب إنشاء برامج دعم مجتمعية لتوعية السكان بأهمية هذه الكنوز وتأهيل المتضرر منها. كذلك، على الدول والمنظمات العالمية العمل على منع الاتجار بالآثار السورية المسروقة، واعتبارها مسؤولية جماعية تجاه التراث الإنساني”.

مسؤولية النظام السوري المخلوع في تفاقم الأزمة

يؤكد ناشطون ومراقبون أن لنظام السوري السابق لعب دوراً محورياً في تفاقم ظاهرة تهريب الآثار، حيث استغل تجارة القطع الأثرية كمصدر لتمويل عملياته العسكرية. كما تواطأت شبكات تهريب مرتبطة بالنظام مع جهات دولية لتسويق القطع المسروقة.

من آثار القصف الذي طال مسجد مبرك الناقة في العام 2012
من آثار القصف الذي طال مسجد مبرك الناقة في العام 2012

النظام لم يكتفِ بالإهمال والتقصير في حماية المواقع الأثرية، بل ساهم بشكل مباشر في تدميرها عبر القصف الممنهج على مناطق أثرية بهدف الضغط على الفصائل المعارضة. هذا القصف أدى إلى خسارة لا تُعوض من الإرث الثقافي السوري.

خطوات لحماية إرث درعا التاريخي

لحماية المواقع الأثرية، قدم الباحث نضال شرف توصيات عدة:

  • دعم السكان المحليين: تحسين الظروف المعيشية والتعليمية للسكان في درعا يمكن أن يحد من لجوئهم إلى التنقيب العشوائي.
  •  توعية المجتمع المحلي: تنظيم حملات توعية لإبراز أهمية الحفاظ على الآثار كجزء من الهوية الثقافية، مع توضيح الآثار السلبية للتنقيب العشوائي.
  •  تشكيل فرق حماية: إنشاء فرق محلية ودولية مختصة بحماية المواقع الأثرية ومراقبتها.
  •  التعاون الدولي: يجب على المنظمات الدولية، مثل اليونسكو، التدخل لإعادة تأهيل المواقع الأثرية المتضررة ووضع حد للاتجار غير المشروع بالآثار.
  • محاسبة المتورطين: الضغط لمحاسبة المسؤولين عن تخريب المواقع الأثرية وتهريب القطع، سواء كانوا جهات داخلية أو دولية.

يوضح الباحث بإن فقدان المواقع الأثرية في درعا لا يعني فقط خسارة مادية، بل هو تدمير لجزء من الهوية الثقافية السورية والإنسانية. إن حماية هذه المواقع ليست مسؤولية درعا وحدها، بل هي واجب على المجتمع الدولي ككل، لما تمثله من إرث تاريخي مشترك. التعاون بين المنظمات الدولية والمجتمع المحلي أمر حتمي لإنقاذ ما تبقى من هذه الكنوز قبل أن تضيع للأبد.

AD 4nXdzZYNxJREwCm4AaleKYmg8HPFTWRj85FuVZnRfiUeOXA yAmsa7D hCEZi4MUZwf8 wFmx0VPiw1kLmEE5hIYba9B5uECIeTaXQ l6podQRlIeLZ8q wb5GbtcjkzDctgMEstBcA?key=9I88JhsCK9p4OLUaOPbXivci
كتب للباحث نضال شرف

تبقى حماية هذه الآثار ليست مجرد مسؤولية تقع على عاتق سكان درعا فقط، بل هي واجب عالمي يتطلب تعاوناً جاداً وسريعاً من الجميع. وتعتبر حماية آثار درعا هي خطوة نحو الحفاظ على جزء مهم من الذاكرة الإنسانية المشتركة.

الرابط: https://daraa24.org/?p=48113

موضوعات ذات صلة