عصمت العبسي: “لا بد للسوريين من التواصل فيما بينهم ورمي الخلاف من خلال الحوار والمؤسسات الديمقراطية”
كانت محكمة “دار العدل في حوران” التي نشطتْ في محافظة درعا قبل العام 2018، محاولة لـ “نشر العدل في حوران ضمن الإمكانيات والظروف المتاحة”، بهذه الكلمات وصفها رئيس هذه المحكمة السابق الشيخ “عصمت العبسي” في مقابلة خاصّة مع شبكة درعا 24، والتي لفت فيها إلى أن هناك تحديات كبيرة واجهتهم، ولا سيما التعامل مع الفصائل والقوى المحلية والدولية. كما تحدث في المقابلة حول خروجه في قافلة التهجير للشمال السوري، ودافعه لذلك، ورأيه في مَنْ بقي في الجنوب السوري، وبلجنة التحكيم “الشرعية” في المنطقة الغربية، وبالوضع الراهن في درعا وسوريا عامّة.
وقال الشيخ “العبسي” أنه يُحضّر حالياً لرسالة الدكتوراة في التربية ضمن تخصص مناهج، وهو حاصل على ماجستير في التربية الاسلامية أيضاً، وقبلها بكالوريوس في الشريعة. وأمّا عن سبب اختيار هذا الاختصاص فيقول أنه: “نتيجة العمل في دار العدل واطلاعي على المجتمع وأسباب الجريمة وانتشارها، وأن انتشار الجريمة مرتبط بشكل مطرد مع انتشار الجهل، وكما يقال الوقاية خير من العلاج فإن كان القضاء ونشر العدل هو علاج الظلم وانتشار الجريمة فالتربية الحسنة والتعليم الجيد هو وقاية من هذه الجرائم ومن هذا الانحدار المجتمعي”.
كيف تصف تجربة محكمة دار العدل في حوران، وما هي التحديات التي واجهتموها في فرض القانون في ظل غياب شكل الدولة؟
وصف تجربة دار العدل، وتقييمها بشكلها الكامل أتركه لغيري، لأن شهادتي فيها مجروحة. لكنها كانت تجربة حاولنا فيها، أنا وزملائي والمشايخ الذين سبقوني، أن نقدم كل ما نستطيع لمحاولة نشر العدل في حوران ضمن الإمكانيات المتاحة وضمن الظروف المتاحة.
طبعاً، التحديات كانت كبيرة جداً. أعظمها أنك تحاول أن تبني نظاماً لتحقيق العدالة في بلد كان متفشياً فيه الظلم والحق للأقوى. فنشر ثقافة العدل واحترام حقوق الآخر واحترام القانون لم يكن بالأمر السهل، ناهيك عن ضعف الإمكانيات وقلة اللوجستيات، بالإضافة أيضاً إلى قلة الخبرات. يعني، هذا كله كان مجتمعاً سوياً. عزاؤنا أننا بذلنا مع إخواننا كل ما نستطيع، وقدمنا في سبيل ذلك تضحيات كبيرة. ونسأل الله عز وجل أن يكون وفقنا لنكون قد قدمنا شيئاً لأهلنا.
دار العدل كانت مؤسسة قضائية، التقاضي فيها على درجات، ويحق للموقوف فيها توكيل محامٍ للدفاع عنه، وسجونها كانت تخضع للرقابة من قبل بعض الهيئات المحلية والشعبية.
كيف تعاملت دار العدل مع قضايا حساسة مثل التعاون مع الفصائل بمختلف توجهاتها، وكيف تمكنت من ضمان استقلالية القضاء عن التأثيرات الخارجية، سواء من قوى محلية أو دولية؟
بالنسبة لكيفية تعامل دار العدل مع الفصائل بمختلف توجهاتها، فكانت تحاول قدر الإمكان أن تسدد وتقارب ما بين المحافظة على استقلالية القضاء وما بين الحساسيات بين الفصائل، لا سيما في بداية تأسيس دار العدل.
أما عن تأثير القوى الدولية والمحلية، فكان تأثير القوى الدولية على دار العدل معدوماً، طبعاً السبب يرجع إلى أن دار العدل أصلاً لم تتلق أي دعم دولي. أما تأثير القوى المحلية، فقد حاولنا تخفيفه قدر الإمكان. لذلك، بدأ قوياً بسبب ظروف تأسيس دار العدل، وتدريجياً ضعف شيئاً فشيئاً.
وكان لهذا ثمن؛ أن كان الدعم ضعيفاً وشحيحاً جداً، وهذا كان يؤثر على لوجستيات العمل وعلى إمكانيات العمل وعلى القدرة على تطوير العمل. لكن حاولنا قدر الإمكان الحفاظ على استقلالية القضاء والسلم الأهلي، وتغيير شيء من الموروث من حقبة النظام السابق. وأيضاً، للأمانة التاريخية، يبقى مجتمع حوران مجتمعاً محصناً بشكل كبير من الجريمة، ولا سيما الجريمة المنظمة، لما فيه من قيم راسخة وبما فيه من تماسك مجتمعي. وهذا الشيء لاحظناه بشكل أوضح بعد خروجنا من حوران.
إقرأ أيضاً: المحامي سليمان القرفان في لقاء خاص مع شبكة درعا 24
ما الذي دفعك لاتخاذ قرار مغادرة درعا والتوجه إلى الشمال السوري ضمن قوافل التهجير في العام 2018، بينما اختار غالبية قادة الفصائل ورجال الدين البقاء في المحافظة؟
أما ما دفعنا للهجرة من حوران ومغادرة حوران إلى الشمال السوري عام 2018، فنحن، بعد هزيمتنا على يد أداة البطش والإجرام الروسية، انقسم أهل الثورة في حوران إلى فريقين: فريق كان يرى أنه من الممكن أن يكون الروس ضامنين للاتفاق، وفريق – وأنا منهم – كان لا يرى فرقاً بين النظام المجرم وحلفائه في الإجرام، ألا وهم الروس، – وهنا، أنا لا أتكلم عن من باع الثورة وتضحيات أهلها وانخرط مع النظام – وأترك الحكم على صوابية أحد الرأيين.
لكن ما أنا متأكد منه هو أن كلا الطرفين ضحّى وقدّم، ومن بقي كانت تضحياته أكبر. نحن نتكلم عن اغتيال معظم أصحاب التأثير والقيادات المجتمعية الثورية، من طلاب العلم وإعلام الصلح. وفي النهاية، الناس تختلف في طباعها وقدرتها وفهمها للواقع والتعامل معه. وأسأل الله أن يأجر الجميع.

كيف تجد الظروف في الشمال مقارنة بجنوب سوريا، وما هي الشروط التي في حال توفرها يمكن لمهجّري محافظة درعا بالشمال العودة إلى مناطقهم، وماذا تخبرنا عن عملك الحالي، في مجلس المحافظة؟
بخصوص الظروف ما بين الشمال والجنوب، طبعاً الظروف في الشمال تختلف بسبب: بدايةً الوضع الجيوسياسي، من حدود مفتوحة، وإمكانية استيراد وتصدير، ووجود معظم الكفاءات والنخب الثورية وتجميعها في منطقة واحدة. إضافةً إلى أن عدد السكان كبير مقارنةً بالجنوب. وهناك محاسن في الجنوب غير موجودة في الشمال؛ النسيج المجتمعي متجانس ومتماسك، وكذلك الجغرافيا تختلف ولها محاسن ومساوئ. في النهاية، الجميع يتفق على أهداف مشتركة، وهي أهداف الثورة السورية. نسأل الله عز وجل أن نستطيع أن نصل ما بين الشمال والجنوب، بإذن الله عز وجل.
أما الأمور التي، إن شاء الله، ستتحقق في الجنوب وسنرجع فيها، فهي انحسار هذا النظام المجرم عن الجنوب السوري أو عن مناطق وأجزاء منه، حتى نستطيع أن نتواجد في الجنوب السوري وننطلق من هناك ونتشارك مع إخواننا ورفاق دربنا في معركة التحرير، بإذن الله، حتى ندحره إن شاء الله ونحرر كامل سوريا.
أما عن عملي الحالي، ففي آخر دورة لمجلس محافظة درعا، انتُخبت كرئيس لمجلس محافظة درعا. طبعاً، نحاول من خلال الإمكانيات المتوفرة بين أيدينا، وهي شحيحة جداً، أن نحافظ على تماسك أبناء حوران، والحفاظ على جذوة الثورة في نفوسهم، وتقديم ما نستطيع للتخفيف من وطأة التهجير، وتطوير ذواتهم وكفاءاتهم وخبراتهم على المستوى الفكري والتعليمي والعسكري.
وبما أن خروجنا إلى الشمال واستقرارنا فيه كان من أجل متابعة طريق الجهاد وتحقيق أهداف الثورة، فأنا أعمل أيضاً في مجال التوجيه المعنوي لعناصر الجيش الوطني. كذلك، أعمل في التدريس في عدد من الجامعات السورية في الشمال السوري، وأحاول من خلال تدريسي أن أبين لطلابي أهداف الثورة العظيمة وقيم هذه الثورة العظيمة التي انطلقت من حوران في 18/3/2011.
بالإضافة إلى كثير من الأعمال التي يفرضها عليّ الواجب الديني والثوري، من إصلاح ذات البين وممارسة نشاطات سياسية يكون لها دور في تصحيح مسار الثورة والحفاظ على أهدافها التي انطلقت من أجلها.
كيف تنظر للوضع الأمني في محافظة درعا بعد العام 2018، حيث عمليات الاغتيال لا تتوقف، هل من سبيل لوقفها؟ وإلى أين تتجه الأمور في المحافظة، حسب رأيك؟
بخصوص عمليات الاغتيال، هذا أمر متوقع في ظل حكم نظام الأسد. بعد أن عجز عن بسط سيطرته على الأرض، لجأ إلى عمليات الاغتيال من باب نشر الخوف في نفوس الشعب، حتى تنظر الناس إلى أي سلطة، مهما كانت مجرمة وفاسدة، على أنها المخلِّص من الاغتيالات.
الحل الحقيقي هو زوال المحرِّض والمهندس لهذه الاغتيالات، وهي عصابة الأسد المغتصبة للسلطة، والقضاء على أذرعها الإجرامية.
إقرأ أيضاً: نصرالحريري رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات، والائتلاف الوطني السوري السابق في لقاء خاص مع شبكة درعا 24
على ضوء تجربتك بمحكمة دار العدل، كيف تُقيّم عمل لجنة التحكيم في المنطقة الغربية من درعا (اللجنة الشرعية)؟
بخصوص تقييمي لعمل لجنة التحكيم في المنطقة الغربية، الهيئة الشرعية، لا أستطيع صراحةً تقييم هذه التجربة لأني غير مطّلع على تفاصيلها. لكن أي عمل يحاول أن يعيد الحقوق لأصحابها أو يرفع الظلم عن الناس، ولو بالحد الأدنى، هو عمل جليل يُشكر القائمون عليه، لاسيما في ظل الظروف الحالية. وما لا يُحصل كله لا يُترك جُله. أتمنى لإخواني القائمين عليه السداد والتوفيق.
كيف تقيم الوضع الراهن في سوريا عامة، وما هي رؤيتك لمستقبل البلاد في ظل التقسيمات الحالية، وما هي الخطوات التي تعتقد أنها ضرورية لتوحيد البلاد؟
الوضع الراهن في سوريا مفتوح على عدة سيناريوهات. نحن الآن نعيش مرحلة كسر إرادة لجميع السوريين بمختلف توجهاتهم، لغاية واحدة، وهي القدرة على فرض الأجندة الدولية للحل في سوريا بصورة تخدم المصالح الدولية بغض النظر عن إرادة السوريين، إن استطاعوا، وإن شاء الله لن يستطيعوا.
أما مسألة التقسيم، فلا أعتقد أنها ستحصل لأنها ليست مطلباً دولياً متفقاً عليه، وليست مطلب معظم السوريين. فالسوريون لم يخرجوا بثورة ليقسموا بلادهم، بل ليحرروها من هذه العصابة المجرمة المغتصبة للسلطة منذ أكثر من 50 سنة. ونسعى، إن شاء الله، بهمة الغيارى من أبناء الوطن الأحرار إلى دحر هذا النظام المجرم، الذي هو سبب كل الشرور الموجودة في سوريا، والحفاظ على سوريا حرة موحدة من أقصاها إلى أقصاها، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، دولة تحترم كرامة وحرية مواطنيها.
أما بخصوص الخطوات التي لا بدّ للسوريين من القيام بها للحفاظ على وحدة أراضيهم، فهي نفس الخطوات التي لابد من القيام بها لنيل حريتهم وتحقيق أهداف ثورتهم. وأهمها التواصل فيما بينهم، ورمي الخلاف فيما بينهم الآن، وحل هذه الخلافات مستقبلاً بعد سقوط نظام الأسد من خلال الحوار والمؤسسات الديمقراطية التي نسعى لبنائها.

رابط المقابلة: https://daraa24.org/?p=43454