التكحيل

يعتبر تكحيل المولود الجديد عادةً حورانيّةً وتقليداً مُتبعاً منذ قديم الزمن، وما يزال يُستخدم حتّى يومنا هذا في العديد من القرى والبلدات في محافظة درعا، ويعتقد كثيرون أنّ في ذلك تعقيمٌ لعين الطفل ويُسهم في توسيعها، ويُقوي النظر ويُكثّف الرموش، بينما يرى آخرون أنّه يمكن أنْ يُلحق الضرر بالأطفال، ويُسبّب لهم العمى.

يقول يوسف محمد المُهتم بالتراث الحورانيّ في حديثٍ مع مراسل درعا 24 بأنّ استخدام الكحل أو الأثمد للتزييّن يعود إلى زمن الحضارة الفرعونيّة في مصر، حيث كان يستخدمه الرجال والنساء على حدٍ سواء، وما يزال استخدامه للأطفال حديثيّ الولادة تقليداً شائعاً في مجتمعنا، وخاصّةً من قبل كبار السن، الّذين يحثّون على ذلك، ويعتبرونه أمراً مهماً.

ويضيف: “الكثير من الناس يعتقدون أنّ تكحيل عيون المولود الجديد يُوسع العيون، ويُعقّمها من الجراثيم، ويحميها من الإصابة بالأمراض أو الحساسية، إضافةً إلى تجميلها وتنظيفها، وهناك قلّةٌ قليلة منهم يعتقدون أنّه يطرد الأرواح الشريرة، ويحمي من الحسد”.

ويُشير الخبير بالتراث إلى أنّ هناك بعض الآراء الّتي تقول بأنّ تكحيل الصغار يضر بعيونهم، لذلك يلفت إلى ضرورة استخدام الكحل المناسب للأطفال وحجم عيونهم، وكذلك أن يكون مُعقماً كي لا يتحوّل الأمر إلى نتيجة عكسية تضر بعين الطفل.

تؤكد الحاجّة أم محمد 70 عاماً من الريف الغربي للمراسل بأنّ الكحل يجعل العين واسعةً وجميلةً، وأنّ هذا ما تعلمتْه من أمّها وجدّاتها، وأنّه لم يتضرر نتيجة ذلك أي طفل أبداً، بل هي مفيدة، وتساعد في حماية عيون الأطفال. تقول: “كحلتُ كلّ أولادي وبناتي وأحفادي وحفيداتي، وبعمره ما حدا تضرر منها، هي عادة قديمة وما بصير نتركها، وهي أحسن من القطرات والدواء”.

يؤكد رجال الدين أنّه لا يوجد أي نصّ شرعيّ يحثّ على استخدام الكحل للأطفال، ولكن فقط وردت بعض الأقوال عن الصحابة والتابعين لهم، يحثّون فيها على التزين بالكحل، دون تحديد ذلك للأطفال أبداً.

أمّا من الناحية الطبية فلا يوجد أيضاً أي مرجع طبيّ أو دليل علمي يُثبت بأنّ هناك فوائد لتكحيل عيون حديثيّ الولادة، وعلى العكس من ذلك فهناك من يؤكد وجود أضرار صحية له، وفق ما أفاد به أحد أطباء المنطقة الشرقية في حديث مع المراسل، الذي أوضح أنّ استخدامه يزيد من مخاطر حدوث التهابات جرثومية وفطريّة حادة للعين، وإصابتها بالحساسية، كذلك من الممكن أنْ يسدّ مجرى الدمع (القناة الدمعية). كما أنّه من المحتمل أنْ يُسبّب العمى عند بعض الأطفال، لأنّه يحتوي على ميكروبات سامّة.

موضحاً بأن الكحل يحتوي على كميات كبيرة من الرصاص، مما يُسبب ارتفاع نسبة الرصاص في الجسم، والذي ربما ينتج عن التسمم بالرصاص، والّذي بدوره يؤدي إلى فقر الدم والتشنجات، ويؤثر الرصاص أيضاً على دماغ الطفل، وربما يسبب له التخلف العقلي.

وختم الطبيب حديثه بأنّ الأمر يزداد سوءاً اليوم، لأنّ الكحل المُنتشر في الأسواق أنواعه رديئة ويحتوي على نسب عالية من مادة الرصاص المُضرّة.

تظل العديد من العادات والتقاليد المُتبعة في حوران محضّ اهتمام العديد من الناس، ويحافظون عليها، لأنهم ورثوها عن أجدادهم، ولكن يبقى هناك بعض العادات التي تتلاشى نتيجة تطور المجتمعات وتقدّمها، وبالذات تلك العادات التي لا يتفق العلم الحديث معها، بل ويثبتُ عدم صلاحيتها لهذا الزمن. 

الرابط: https://daraa24.org/?p=32813

Similar Posts