السوق الشعبي في مدينة جاسم في ريف محافظة درعا الشمالي
السوق الشعبي في مدينة جاسم في ريف محافظة درعا الشمالي (درعا 24)

 يأتي رمضان هذا العام ككل عام في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية تزداد سوءًا عاماً بعد عام، ابتداءً من ارتفاع نسب البطالة والتضخم وأسعار المشتقات النفطية، وصولاً إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، وقد انعكست هذه الظروف على الإقبال على شراء المستلزمات الرمضانية، حيث باتت معظم الأسر تواجه صعوبة كبيرة في تأمين المواد الغذائية والضرورية لإعداد الاطباق والمأكولات الرمضانية.

 ‏غلاء الأسعار يهدد الموائد الرمضانية

ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية مع بدء شهر رمضان المبارك، حيث تبدلت تشكيلة البضائع الرمضانية بحكم الظروف المعيشية وغلاء الأسعار، فالأولوية أصبحت للأصناف الأساسية من حبوب وأرز وزيوت وخضروات، وقد باتت الأسرة مجبرة على التقنين، ليس فقط في شراء اللحوم والدجاج بل في الخضار أيضاً، فبعد أن كانت أطباق (الأرز باللحم والأوزي وشيخ المحشي) تتصدر قائمة الاطباق الرمضانية لدى أهل درعا، غابت هذا العام تماماً عن موائد أغلب الأسر بسبب الضائقة المعيشية الخانقة، وقد دفع الواقع المعيشي العوائل للاستغناء عن العديد من المواد الرئيسية، مثل اللحوم والدجاج والأسماك والبحث عن بدائل أرخص.

تقول (أم حسن مرعي، 45 عاماً، معيلة لثلاثة أطفال: “لم تعد التحضيرات الرمضانية كما كانت، فوجبة الإفطار باتت مكلفة جداً، ولم نشهد سنة أصعب من هذه السنة”. وأوضحت أن الكثير من العوائل تعتمد بشكل أكبر على العدس والخضروات والوجبات النباتية على الإفطار، وأضافت أن هناك الكثير من الأسر تكتفي بشراء ضهر الدجاج أو رقبته وأرجل الدجاج، وذلك بسبب أن الأسعار فاقت كل التوقعات، وفاقت قدرة الأسر على تأمينها أو حتى تأمين أبسط مستلزمات المائدة الرمضانية.

وتساءلت قائلة: بعد أن وصل سعر كيلو اللحم لـ 70 ألف ليرة سورية، كيف سيتمكن المواطن من تأمين إفطار يكون أحد مكوناته الرئيسة اللحم؟ حتى أن صحن الفتوش بات يحتاج لميزانية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الخضار، وختمت قائلة: “شهر رمضان هذا العام لا يشبه ما سبقه أبداً”.

أسعار غير رحيمة في رمضان كاريكاتير

الخبير الاقتصادي (محمد الحريري) يقول: “لا يزال الوضع الاقتصادي يعاني من أزمات عدة، ساهمت جميعها بتدهور الوضع المعيشي للمواطن، حيث انعكس ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية على المستهلكين، من متوسطي الدخل ومحدوديه والفقراء، وبدا أثر ذلك واضحاً على أوضاعهم المعيشية وقدراتهم الشرائية، التي تتراجع يوماً بعد يوم مع تراجع قيمة الليرة السورية”.

وأضاف: “المواطن الذي يتقاضى راتبه بالليرة السورية، لم يعد قادراً على تأمين مستلزماته الغذائية اليومية، وهذا سيؤدي حتماً إلى تغيير السفرة الرمضانية التي أضحت أقل تنوعاً وجودة لدى الكثير من العائلات.

 وأكّد أن الدخل الشهري للمواطن السوري لم يعد كاف لسد أبسط الاحتياجات، فمصروف رمضان في محافظة درعا لا يقتصر على الطعام والشراب فقط، حيث هناك الكثير من العادات الاجتماعية مثل (العزائم والزيارات العائلية) التي تشكل عبئاً مالياً إضافياً على الأسر، ما يجعل استعدادات العوائل محدودة، وتقتصر على (كل يوم بيومه) في ظل التصاعد المستمر لأسعار المواد الغذائية فالظروف الحياتية تجبرهم على البحث عن بدائل أقل سعراً وجودةً.

 ‏وكان أشار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة مطلع الشهر الجاري، أن 70% من السوريين ربما لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الطعام لعائلاتهم، وأكد البيان أن 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، و2,9 مليون آخرون معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.

الجمعات الرمضانية تقليد يغيب في شهر رمضان عن أهل درعا

 وجد الكثير من أهالي درعا في ظل تدني المستوى المعيشي والغلاء الفاحش في الأسعار أنفسهم مضطرين للتخلي عن عادات توارثوها عن آبائهم، والتي كان لا يمكن الاستغناء عنها وتجاوزها مثل اجتماع العائلات والأقارب على مائدة الإفطار (العنايا والولائم العائلية)، لأن ذلك يصنف في خانة (العيب)، إلى درجة تكاد تكون غير موجودة إلا بين الميسورين، فالقدرة الشرائية المتدهورة، لم تترك مجالاً لتطبيق ذلك التقليد أو التمسك به.

إقرأ أيضاً: أسعار جديدة للألبان والأجبان مع حلول شهر رمضان

 ‏يقول (أبو محمد الزعبي، 50عاماً، أحد وجهاء ريف درعا الشرقي : “من العادات الرمضانية في درعا المتنوعة والجميلة والتي تجمع الأهل والأقارب حول مائدة الإفطار وإعداد الاطباق الشهيرة التي لا يطيب الشهر الفضيل إلا بها، فاجتماع الأهل والأقارب في بيت واحد يعتبر تقليد يحتوي على الكثير من الإيجابيات الاجتماعية الحميدة، لترابط أفراد الأسرة وتعميق العلاقات العائلية، إلا أن الكثير من الأسر اليوم باتت مضطرة للتخلي عن هذا التقليد، لعدم القدرة على تغطية مصاريفه، حيث أن تكلفة إفطار رمضاني بسيط  لعائلتين تتخطى ال200 ألف ليرة سورية، وهذا يفوق قدرة الكثير من العائلات التي تواجه تحدياً كبيراً في تأمين وجبة الإفطار والسحور، بفعل غلاء المعيشة  وتدني دخل الفرد وحالة الفقر والجوع الذي  طال أثره مجمل مناحي  الحياة.

ويبقى المواطن يعاني بشكل كبير بسبب تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، ويستغني كل يوم عن وجبات كانت سابقاً أساسية، وكذلك يستمر بالاستغناء عن العديد من التقاليد الاجتماعية الحسنة، نظراً لتكاليفها التي باتت تفوق قدراته في كثير من الأحيان.

الرابط: https://daraa24.org/?p=29758

Similar Posts