عمل المرأة في درعا

أرادت “فاطمة محمد، 35 سنة”، – وهي أم لأربعة أطفال – أن تكون لها استقلالية مالية، تمكنها من تلبية احتياجات بيتها وأطفالها، دون الاعتماد الكامل على دخل زوجها، الّذي يعمل ويعيل البيت بدوره. تقول في حديثها مع مراسلة درعا 24: “إذا أردت شراء شيء لمنزلي، أو تقديم شيء لأولادي، أريد أن يكون لدي المال الكافي لذلك، لهذا السبب توجهت للعمل”.

اختارت هذه السيّدة أن تبدأ مشروعها، في بيع الثياب لسيّدات بلدتها في الريف الغربي من محافظة درعا، حيث تتعاون مع سيّدة سورية أخرى تعيش في الأردن، تشحن الأخيرة البضائع إلى فاطمة، التي تعلن عنها عبر مجموعة على تطبيق واتساب، وتستقبل هذه الشحنات أسبوعياً، بناءً على الطلبات التي تتلّقها.

انعكستْ سنوات الحرب والواقع المعيشي سلباً على واقع عمل المرأة في درعا، وانطلقت العديد من النساء للعمل بدافع الضرورة، ومع ذلك، فقد برزت العديد من الأمثلة من أولئك النساء اللواتي اخترنَ العمل لإدراكهنَ أهمية أدوارهن في المجتمع، هذا ما تؤكده “منار محمد” العاملة السابقة في إحدى منظمات دعم المرأة في درعا في حديثها مع المراسلة.

 تقول: “خضعتْ النساء في المنطقة لنظرة المجتمع والقيود الاجتماعية، التي قيدت فرصهن في العمل قبل الحرب، وكذلك اضطر الكثير منهن للعمل بعد الحرب بسبب الظروف المعيشية، إلا أننا اليوم، نرى أن بعض النساء تتخذ العمل وسيلة لتحقيق الذات والمساهمة في المجتمع، وهذا يدل على زيادة في الوعي بأهمية دور المرأة في المجتمع”.

نظرة المجتمع لـِ عمل المرأة

أجرت شبكة درعا 24 خلال العمل على هذا التقرير استطلاع رأي حول نظرة المجتمع لعمل المرأة، ووجهت السؤال التالي: هل تعتقد/ينَ أنّ هناك تغيير في نظرة المجتمع وتفكيره، حول دور المرأة في سوق العمل في محافظة درعا خلال السنوات الأخيرة؟ اختار 7% من المشاركين في الاستطلاع أنه ليس هناك أي تغيّر في نظرة المجتمع، واختار 11% أن هناك تحسّناً محدوداً، و23% رأوا أن هناك تحسّن كبير، بينما رأى 59% من المشاركين أن هناك تغيير باتجاه الأسوأ في نظرة المجتمع لعمل المرأة. وقد شارك في الاستطلاع حتى اليوم 333 شخصاً.

تعلّق الخبيرة “منار محمد” بأنّ نتائج الاستطلاع تعكس تعقيدات الواقع الاجتماعي في درعا وما تمر به من تحولات. وتؤكد أن النسبة الكبرى من المشاركين الذين يرون أن هناك تغييراً في تصور المجتمع لعمل المرأة باتجاه الأسوأ تُشير إلى تحديات كبيرة تواجه النساء في المحافظة عند دخولهن لسوق العمل. تشرح: “هذه النسبة تعكس تأثيرات الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة، والتي أدت أحياناً إلى تراجع في دعم عمل المرأة، لأن كثير من الرجال الذين لا يجدون فرص عمل يظنون أن المرأة تأخذ هذه الفرص”.

تضيف: “مع وجود نسبة من المشاركين الذين يرون تحسّناً كبيراً يعطي طاقة من الأمل. ربّما يكون السبب في اختيارهم هو الوعي، ومشاهدتهم لتجارب نساء أستطعنَ إثبات قدراتهن في مختلف المجالات، وهذا واقع نعيشه وموجود”. وتلفت إلى أنه ليس بالضرورة أن الاستطلاع يعكس آراء جميع شرائح المجتمع، وأنه من المفيد أن يتم إجراء استطلاع أشمل يضم فئات واسعة، وأن من يتوجّب عليه القيام به هي الحكومات أو المنظمات المختصّة بذلك.

ثم تخلص إلى أن نتائج الاستطلاع يجب أن تدفع إلى مزيد من العمل لتعزيز دور المرأة في المجتمع والعمل. بحيث تتضافر الجهود من قبل المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الحكومية لتعزيز الوعي بأهمية مشاركة المرأة في سوق العمل، وتقديم الدعم اللازم لهن.

إقرأ أيضاً: عمل المرأة بدرعا، بين كلام الناس وسوء الأوضاع المعيشية

أفكار متنوعة حول العمل

تتشارك مئات النساء في المحافظة قصص عملهنَ ومشاريعهنَ التي في غالبها تُدار من منازلهنَ، عبر العديد من المجموعات على فيس بوك وغيره من المنصّات، ويتساعدنَ من خلالها في البحث عن عمل، وفي عرض أفكار جديدة، ومشاركة كلّ امرأة تجربتها بحيث يستفيد منها غيرها، تقول إحداهن: “فتحت صالوني الجديد. أنا دراسة جامعة، لكن لم أعمل باختصاصي، وأعمل كوافيرة”. بعد عمل لأكثر من ثلاث سنوات في هذا المجال فتحت مشروعها الخاصّ.

سيّدة أخرى تعلن عن نيتها بدء فكرة جديدة، وهي تصميم أشكال لهدايا بمادة اسمها “الريزن” والتي يتم من خلالها مع مواد أخرى صنع لوحات وأدوات للزينة مختلفة، وتبحث عن طريقة المواد، والتي غالباً لا تكون موجودة في درعا، حيث يتم جلبها من محافظات أخرى، وتسأل سيدة عن دورات في هذا المجال، وتقدّم لها النصائح بأماكن لدورات.

وصولاً إلى سيّدة متقاعدة تسأل عن فرصة عمل، تقول: “ابحث عن عمل بسبب ظروف المعيشة”، فتأتي عشرات التعليقات التي تقدّم المساعدة، أن تفتح مشروعها، وليس أن تعمل، ويتم تقديم عشرات الأفكار منها: “إذا أنتِ في حي ميسور، أعرضي إنك تطبخي للجيران بالمناسبات”، “افتحي مشروع بسيط مثل لوازم مدرسية ومكتبية من بيتك”، “بيعي من بيتك مستلزمات خياطه وتطريز”، “أعرضي على النساء التي لديها أطفال أن تستقبلي أطفالهم لساعات معينة عندما يكون لديهم التزامات”.

تستفيد الآنسة ليلى، وهي مدرّسة لغة إنجليزية من بلدات الريف الشرقي، من منصات التواصل الاجتماعي أيضاً، مثلما تفعل الكثير من النساء، حيث تُعلن عن دورات تقوية. تخبر مراسلة درعا 24 بتجربتها: “أقوم بإعطاء دروس خصوصية من منزلي، وأتلقى أجراً مقابل ذلك. أعلنت قبل نهاية الفصل الثاني عن دورة جديدة للطلاب الابتدائي للاستعداد للامتحان، تشمل مراجعة لجميع دروس الفصل. جلستان أسبوعياً لكل صف، والقسط الشهري شبه رمزي 25 ألف ليرة”.

 تسهم الآنسة ليلى في تحسين دخلها الشخصي، بالإضافة إلى مساعدة الأطفال في دراستهم، وفق ما توضح في حديثها مع المراسلة.

إقرأ أيضاً: هل غيّرت الحرب في دور المرأة في سوق العمل؟

لا أرقام ولا إحصائيات حول عمل المرأة

لا توجد قاعدة بيانات دقيقة لدى الجهات الحكومية في سوريا، تبين نسبة عدد النساء العاملات ونسبتهنَ مقابل الرجال، لكن الخبراء يؤكدون أن هذه النسبة ارتفعت في السنوات الأخيرة، ويرجعون ذلك إلى وصول البلاد إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر، حيث 90% من الشعب السوري يعيش تحت خطر الفقر، وفقاً لإحصائيات أممية. 

في وقت سابق من العام 2022 قالت مديرة سوق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية، راما طوبال في تصريح لموقع أثر برس شبه الرسمي، أنه يجري بناء نظام معلومات حول سوق العمل، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتأمل لاحقاً أن يتم توطين بيانات القوى العاملة الموجودة بسوق العمل، للوصول إلى مؤشرات تبيين هذه النسب، إلا أن هذه البرامج لم ترَ النور حتى اليوم.

إقرأ أيضاً: قصة امرأة واجهت الحياة والمجتمع وحققت أهدافها

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=41512

موضوعات ذات صلة