مخلفات الحرب، من دفن ضحايا انفجار مادة من مخلفات الحرب في بلدة دير العدس
من دفن ضحايا انفجار مادة من مخلفات الحرب في بلدة دير العدس

لا تنتهي مآسي الحروب سريعاً، فبعد توقف الأعمال العسكرية المُعلنة، تبّقى ما زرعته الأيادي الآثمة من ألغامٍ ومتفجراتٍ، لتحصد أرواحاً جديدةً، وتنشر الخوف والرعب وتعيق الزرع والحصاد، وتهدد أصحاب المواشي وقطعانهم، وتعيق الحركة والسفر على الطرقات، وهذا هو واقع محافظة درعا اليوم، التي شهدت معارك كثيرة ولسنواتٍ طويلة، تركت مخلفاتٍ حربيةٍ دُفِنت هنا وهناك، حيث لا توجد خرائط لتُوزعها ولا أعمال إزالة تُبذل، ولا جهود توعيةٍ من مخاطرها، ولا لافتاتٍ تحذيرية وإجراءات وقائية تُخفف من فتكها وآثارها.

جميع الأطراف متورطة 

يؤكد الضابط ع. الزعبي – المقاتل السابق في إحدى الفصائل المحلية في درعا بعد انشقاقه عن الجيش – لمراسل درعا 24 أن محافظة درعا بسبب موقعها الجغرافي على الحدود مع الأردن وإسرائيل تحتوي على أراضيها العدد الأكبر من القطع العسكرية على مستوى البلاد، والتي تضم مختلف أنواع السلاح. 

يضيف الزعبي أنه بعد تحوّل الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها الأولى من درعا إلى مواجهات عسكرية بين الجيش والمليشيات التابعة له من جهة، والفصائل المحلية من جهة أخرى، قامت جميع أطراف النزاع بزراعة ألغام ومتفجرات في محيط مناطق سيطرتها، بهدف منع تقدّم الأطراف الأخرى، وبقيت هذه المتفجرات تحت الأرض، دون تحديد مواقع غالبيتها. 

وفقاً لإحصائيات منظمة الهلال الأحمر فقد وقعت حوالي 323 حادثة أسفرت عن إصابة 498 شخصاً بينهم نحو 158 طفلاً، وتوفي 174 شخصاً جراء الألغام منذ إجراء اتفاقية التسوية في درعا عام 2018 وحتى بدايات العام 2022. وقد وقع بعض هذه الحوادث في محيط قطع عسكرية تابعة للجيش، إحداها حادثة مقتل خمسة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال، راحوا ضحية انفجار مادة من مخلفات الحرب في منتصف العام 2020، في منطقة تُدعى الحمرا، تقع بين مدينتي الشيخ مسكين ونوى، وتُعتبر هذه المنطقة عسكرية حيث يُسيطر عليها وعلى الشيخ مسكين كاملة الجيش منذ العام 2016.

بلغ عدد ضحايا مخلفات الحرب في درعا في العام 2022 أكثر من 25 قتيلاً، جميعهم من المدنيين وبينهم من الأطفال، فيما أُصيب أكثر من 58 شخصاً. بينما قُتل ثلاثة وأُصيب أحد عشر حتى أواخر شهر تموز من العام الجاري، وذلك وفقاً لما وثقته درعا 24.

في ذات السياق، يؤكد الضابط الزعبي أيضاً، أنه إضافةً إلى انتشار مخلفات الحرب في محيط الثكنات العسكرية التابعة للجيش، فإنها انتشرت أيضاً على جبهات القتال بين الفصائل المحلية وتنظيم داعش أثناء سيطرته على حوض اليرموك، حيث قام التنظيم حينها بتفخيخ مناطق واسعة بالمتفجرات، وراح ضحيتها أثناء تلك المعارك قبل العام 2018 العشرات من العاملين في الفصائل المحلية، ولم يتم تفكيك بعضها حتى اليوم.

لافتاً: “صنّعت الفصائل المحلية أيضاً، خلال معاركها يدوياً العديد من أنواع المتفجرات كالعبوات الناسفة وغيرها، واستخدمت عشوائياً ودون أدنى خبرة قنابل يدوية ومتفجرات، ومن دون أي اتباع أي معايير للسلامة، ودفنها بعضهم بعد سيطرة النظام على المنطقة.

أما الناشط الإعلامي محمود الحوراني فإنه يرى أن غالبية ضحايا مخلفات الحرب قُتلوا نتيجة القنابل العنقودية غير المنفجرة، التي كانت تلقيها الطائرات السورية والروسية في المناطق التي كانت خارج سيطرتها، والتي لم ينفجر الكثير منها، وعند العبث به حالياً من قِبل الأطفال أو الراشدين يؤدي إلى انفجارها، ويُسبّب الموت أو أضرار بالغة. 

اقرأ أيضاً: مخلفات الحرب في درعا: بكلمات مَنْ عاشوها

لا جهود لإزالة مخلفات الحرب

بدورها المحامية س. الخطيب تؤكد أنه لا يوجد أي جهد حقيقي لإزالة مخلفات الحرب أو الحد من آثارها. تقول لمراسلة درعا 24: “لا أقبل فكرة أن تقوم الأطراف المتنازعة بزراعة الألغام والمتفجرات، ولا أقتنع بالأسباب التي يحاجون بها، ولكن هذا أمر واقع يجب الاعتراف به”. 

تتابع الاستاذة الخطيب: “الحرب انتهت في درعا، وهذه المخلفات ما زالت موجودة، والموت الذي تسببه لم يتوقف. والسبب في ذلك هو أنه لا يوجد أحد في المحافظة يولي الموضوع أي أهمية. الدولة تسيطر الآن على درعا، لكنها لم تقم بشيء للتخلص من هذه الأجسام القاتلة. المنظمات الإنسانية والدفاع المدني غائبان تماماً، وكأن الأمر لا يعنيهم”.

الأستاذ ع. الحريري، من أبناء محافظة درعا ومقيم في تركيا، يعمل حالياً في قطاع الحماية في المنظمات غير الحكومية، فيؤكد الاستاذ الحريري أن دور المنظمات عمومًا ضعيف ومعدوم بخصوص مخلفات الحرب. يقول: “بعد شهر أغسطس 2018، توقف عمل المنظمات في درعا. ومن عاد منها فإن أنشطتها محدودة جداً وتقتصر على تقديم بعض المواد الإغاثية. وتعاني هذه المنظمات على قلتها من محدودية الدعم وضعف الأداء وشدة الرقابة، الأمر الذي يجعلها بعيدة جداً عن أي دور في مكافحة مخلفات الحرب في درعا”.

أما الناشط السياسي أ. الصفوري في حديثه لمراسل درعا 24 فقد تطرق إلى دور المجتمع الدولي. يقول: “مشكلة بحجم وتعقيد مخلفات الحرب – في سياق صراع طويل الأمد كما هو في سوريا – تحتاج إلى جهود عابرة للحدود. وبالإضافة إلى جهود الدولة التي يفترض أنها تبسط سيطرتها على محافظة درعا، وهو بالمناسبة واجبها. إلا أن الأمر يتطلب جهداً دولياً ومساعدة من دول الجوار والدول الفاعلة في الملف السوري، وكذلك المنظمات الدولية ذات الشأن، وهذا غائب كلياً للأسف، ومن غير المقبول تأجيله إلى مرحلة إعادة الإعمار”.

 متابعًا: “الأمر متعلق بمآسي متكررة وضحايا من الأطفال والكبار والرجال والنساء”.

مخلفات الحرب في درعا واقع لا يمكن نكرانه، تسببت به سنوات الصراع، وفاقمه غياب أي شكل من أشكال المعالجة. لم تقم الحكومة بدورها، غابت تماماً المنظمات غير الحكومية، وتقاعس المجتمع الدولي ومنظماته عن التصدي له. والغائب الأبرز هم الدول الفاعلة في الملف السوري، والتي لا يمكن لأحد تبرئتها من انتشار هذه المخلفات الفتاكة.

الرابط: https://daraa24.org/?p=33643

Similar Posts