نقابة الأطباء في درعا

 يعاني القطاع الصحي في محافظة درعا من أزمات متتالية تتركز في نقص الكوادر والمستلزمات الطبية والأدوية، ويعتبر نقص الكوادر الطبية البشرية من أهم التحديات التي تواجه الأهالي في حياتهم اليومية، حيث أن المشافي تعاني من نقص كبير في التخصصات الطبية الهامة.

وزاد تدهور الأوضاع المعيشية من معاناة المرضى إذ بات من الصعب على غالبيتهم اللجوء لحلول بديلة كالذهاب الى القطاع الخاص والحصول على العلاج المناسب.

انتظار طويل وتكلفة مالية مرتفعة

ضمن ما يندرج من إشكالات ومصاعب ناتجة عن هذا النقص الطبي يقول أبو سالم (54 عاماً) إن الذهاب إلى دمشق والانتظار على أبواب العيادات الطبية الخاصة أمر مرهق جداً، حيث أنه يضطر للذهاب الى محافظة دمشق منذ ساعات الصباح الأولى وتحمّل الوقوف لساعات طويلة لا تقل عن 5 ساعات امام عيادة الطبيب، الى أن يحين دوره في الدخول لتقييم وضعه الصحي، وأضاف بأن نقص التخصصات الطبية في درعا وضع الناس أمام أزمة الحاجة والوقت والانتظار، لما يترتب على ذلك من تكاليف مالية باهظة من أجور النقل وتكاليف العلاج المرتفعة، وقد قدر تكلفة رحلته الأخيرة للمعاينة وتلقي العلاج بـِ 150 ألف ليرة سورية وهذا يفوق قدرته المادية .

إقرأ أيضًا: رفض إعادة تشغيل مشفى داعل، والسبب: لأنه كان يعالج إرهابيين!

 وبدوره أحمد (43 عاماً) وهو مريض كلى يقول: ان هناك نقص كبير في الأطباء المختصين بالكلية وجراحتها في محافظة درعا، حيث أن المصابين بهذا المرض يضطرون للذهاب الى دمشق للحصول على العلاج والإشراف الطبي، وهذا ما يجعل من أوضاعهم الصحية عرضة للخطر بشكل دائم، نتيجة الصعوبات العديدة التي تواجههم، إضافة الى تحملهم أعباء مالية كبيرة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.

النساء يواجهن تحديات صحية كبيرة في درعا

يسيطر حاجز كبير من الخوف والخجل على العديد من النساء في درعا، يحول دون وصول شريحة كبيرة منهن للمستشفيات وتلقي العلاج، أو الخضوع للفحص بسبب عدم وجود طبيبات مختصات وبالأخص في مجال الجراحة. وتضطر النساء ممن يواجهن حالات مستعصية للذهاب الى محافظات أخرى وتحمل الأعباء الجسدية والمالية الناتجة عن هذا النقص. ويعتبر وجود طبيبات مختصات في محافظة درعا ضرورة ملحة في المنطقة عموماً بسبب طبيعة المجتمع فيها، الذي تحكمه مجموعة من العادات والتقاليد حيث أن غالبية النساء هناك يفضلن الذهاب إلى طبيبة نسائية، وكذلك اجراء عمليات جراحية على يد طبيبات.

تحدثت أم يوسف (36 عاماً) لمراسلة درعا 24 بأنها تعيش على المسكنات وتتحمل المعاناة والوجع الشديد، لعدم توفر طبيبة مختصة بالجراحة في محافظة درعا، وأنها ترفض الخضوع لأي عمل جراحي على يد أي من الأطباء الرجال في المنطقة بدافع الخجل. وتضيف بأنها في حال قررت الذهاب الى طبيبة مختصة في محافظة أخرى فهي تحتاج لمبلغ مالي كبير وهي حالياً غير قادرة على تحمّل مثل تلك التكلفة المرتفعة.

إقرأ أيضًا: مرضى السرطان بدرعا، وجه آخر للمعاناة

(م. س 33عاماً) ممرضة تعمل في أحد مشافي محافظة درعا قالت لمراسلة درعا 24: «في ظل الأزمة الماضية والحالية التي عصفت ولازالت تعصف بالمنطقة شهد القطاع الصحي في محافظة درعا نقصاً حاداً في الكوادر الطبية في عديد من الاختصاصات وأهمها: الأطفال (جراحة، داخلية) ويليها نقص في أطباء الغدد الصم وجراحة الأوعية الدموية والكلى، أما اختصاص العناية فتعاني المنطقة من عدم وجود أطباء عناية، إضافة الى نقص كبير في المعدات الطبية اللازمة في المشافي والمراكز الصحية»، وأضافت أن الازمة الحالية فرضت وجود دخلاء في القطاع الصحي حيث نشاهد الممرض يصف الدواء للمرضى، وكذلك نجد اشخاص لا علاقة لهم بالمجال الطبي نهائيا يبيعون الدواء في الصيدليات، بل ويصفونه للمرضى، بالإضافة إلى تعيين ممرضين ليس لديهم الخبرة الكافية في المشافي نظراً للنقص الحاد في الأيدي العاملة في القطاع الصحي.

هجرة الأطباء

 إن هجرة الكفاءات الطبية إلى الدول الأخرى خلفت وراءها نقصاً حاداً في مختلف التخصصات الطبية مثل الجراحة وأمراض السرطان وغيرها، مما يضطر المواطنين الى السفر مسافات طويلة بحثاً عن طبيب مختص، وتشير كافة المعطيات الى أن هذا النقص آخذ بالاتساع لأسباب تتعلق بسوء الأوضاع المعيشية، وعدم الاستقرار الأمني الذي تشهده المنطقة، إضافة الى هرب الأطباء من الخدمة العسكرية، وسط عدم وجود أي جهود من قبل الدولة لمعالجة هذا النقص مما أثّر سلبا على صحة وسلامة المرضى وسرعة تلقيهم للعلاج.

إقرأ أيضًا: العاملون في قطاع الصحة خارج وظائفهم منذ سنوات

أحد العاملين في المجال الطبي في الريف الغربي (فضّل عدم الكشف عن اسمه) قال لمراسل درعا 24: لقد تضاعفت هذه الأزمة بعد سيطرة القوات الحكومية مدعومة بالطيران الروسي على المنطقة في تموز/ يوليو 2018، حيث خرجت أكثر من خمسين مشفى ونقطة طبية عن الخدمة، سواء بالقصف أو بإغلاقها لاحقاً من قِبل الأجهزة الأمنية، كما حدث في قرية تسيل حيث تم الاستيلاء على العديد من الأجهزة الطبية ونقلها خارج المحافظة.

أضاف بأن المنطقة الممتدة من قرية عدوان وبلدة تسيل إلى قرى سحم والشجرة والبكار وعين ذكر وحيط والمعلقة ونافعة وبعض القرى الأخرى يسكنها أكثر من سبعين ألف نسمة، ولا يوجد بها إلا تسعة أطباء مختصين، داخلية، أطفال، أذن أنف حنجرة، عظمية، عيون بينما تغيب الكثير من الاختصاصات الأخرى. ومن الصعوبة أن تجد طبيباً في الليل، مما يضطر الممرضون للقيام بالإسعافات الأولية في حال كانت هناك حالات إسعافية.

بدورها قالت معاون وزير التعليم العالي للشؤون العلمية «د.فادية ديب» لراديو شام إف. إم ” أن موضوع هجرة الأطباء أمر واقع وحقيقي، وبحسب البيانات الموجودة في نقابات الأطباء هناك هجرة لأكثر من 30% من الفريق الطبي، وذلك لأسباب مختلفة بين من سافر مع بداية الحرب، أو من وجد فرصة عمل مناسبة، أو نتيجة الظروف الاقتصادية الحالية التي تمر بها البلاد وجعلت تكاليف العمل الطبي عالية وصعبة جداً“.

أضافت بأن بعض الاختصاصات باتت مفقودة مثل الأورام والعلاج الفيزيائي والأشعة والتخدير، وكشفت عن دراسة تعمل الوزارة عليها للحد من الهجرة، تشمل مشروع مفاضلة لألف فرصة جديدة لدراسة الطب البشري بمعدلات أقل، شريطة الالتزام مع المستشفيات العامة، وفتح التسجيل المباشر على بعض الاختصاصات النوعية دون مفاضلة، إلى جانب ضرورة إيجاد نص قانوني جديد يضمن مرونة عمل الطبيب أثناء تعاقده مع الجهات الحكومية.

مبادرات شعبية لإعادة تأهيل المشافي

الجدير بالذكر بأنه تم إعادة تأهيل وترميم العديد من المشافي والمراكز الصحية في المحافظة، من قبل تبرعات الأهالي في الداخل والخارج، فقد أعاد أهالي مدينة الحراك والعديد من القرى المحيطة بها، تأهيل بعض الأقسام في مشفى الحراك (الإسعاف والطوارئ، والنسائية والتوليد، والعمليات الجراحية) نظراً لحاجتهم لمشفى قريب عليهم، والمعاناة التي يلاقونها بالذهاب إلى مشفى درعا أو بصرى وخاصة في الليل.

وكذلك تم في أواخر العام 2020 ترميم مشفى الإحسان في بلدة الغارية الشرقية من خلال مبادرات شعبية بعد تعرضه للقصف في العام 2018 من قِبل الطيران الروسي، وقالت مصادر محلية من أبناء البلدة حينها بأن تكلفته وصلت إلى مليار ليرة سورية.

حالات الاعتقال والاختفاء القسري

قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر في العام 2021 بأن، ما لا يقل عن 3364 من العاملين في القطاع الصحي في سوريا لا يزالون قيد الاعتقال/الاختفاء القسري، 98% منهم لدى النظام في سوريا.

وقد ذكر التقرير بأن الأجهزة الأمنية السورية تعمدت وعلى نحو مخطط ومدروس ملاحقة واعتقال وإخفاء العاملين في قطاع الرعاية الصحية، الذين شاركوا في تقديم خدماتهم للمصابين. وهي المسؤولة عن 96 % من حصيلة الضحايا الذين قتلوا بسبب التعذيب من العاملين في قطاع الرعاية الصحية مقارنة ببقية أطراف النزاع.

وذكر التقرير بأن الحصيلة الأعلى من الضحايا الذين قضوا بسبب التعذيب كانت في محافظتي حمص وحلب، تلتهما ريف دمشق ثم درعا فدمشق.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=23090

Similar Posts