مشفى البيروني في دمشق

تتفاقم معاناة مرضى السرطان بدرعا، بسبب فقدان معظم خدمات الرعاية الصحية فعلى وقع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد لم يبق قطاع في منأى عن تداعيات الانهيار، ومن بينها القطاع الصحي الذي شهد خلال الأعوام الماضية نقص كبير بالكوادر الطبية، وخاصة المختصين بالأورام، إذ أن معظمهم في مدينة دمشق أو خارج القطر، وأدى شح الأدوية وارتفاع ثمنها بشكل كبير إلى ازدياد معاناة مرضى السرطان، الذين باتوا عاجزين عن توفير علاجاتهم، أو تحمل تكلفة ‏شرائها.

في محافظة درعا التي تكثر ازماتها يأتي مرض السرطان كأزمة صحية إضافية،  حيث يشكو العديد من ‏المصابين وعائلاتهم الإهمال الكبير من قبل الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية، الذي حوّل آلاف المصابين إلى ‏ضحايا منسيين، فمعظم مرضى السرطان لا يتمكنون من الحصول على جرعاتهم العلاجية بشكل منتظم، لأنها تكلف ‏مبالغ كبيرة، مما أدى الى تدهور حالتهم الصحية، ويجد مرضى السرطان أنفسهم مجبرين على السفر ‏باتجاه محافظة دمشق عبر رحلة شاقة ومتعبة، تتكبد خلالها أسر المرضى تكاليف السفر المادية والمعنوية ناهيك عن ‏غلاء أسعار الادوية وصعوبة الحصول على العلاج، بسبب نقص العاملين الصحيين والأدوية والمعدات اللازمة ‏في محافظة درعا.

تعتبر أولى المشاكل التي تواجه اغلب المرضى خلال فترة علاجهم هي الحصول على خدمات التصوير الاشعاعي والفحوصات المخبرية، حيث يضطر المريض للجوء الى القطاع الخاص للحصول على تلك الخدمات ‏الباهظة الثمن، وهو ما ينهك جيوبهم. إضافةً إلى ارتفاع أجور مقدمي الرعاية الطبية من ممرضين وأطباء إذ لا يمكنهم تحمل التكلفة الباهظة للعلاج في المستشفيات الخاصة. لذا تبقى المستشفيات الحكومية رغم طول مدة انتظار مواعيد ‏المراجعات هي ملاذهم الأول والأخير، في معركة الحياة التي يخوضونها.

إقرأ أيضًا: في انتظار توريدات وزارة الصحة، حياة مرضى الفشل الكلوي في خطر!

 ‏(أبو محمد 45 عاماً) يصف حجم المعاناة ‏التي يتجرعها أثناء مرافقة ابنه المصاب بالسرطان للعلاج. يقول: “لا قدرة لي على إدخال ابني المصاب بالسرطان لأي ‏من المشافي الخاصة، لأني من الأشخاص محدودي الدخل، واليوم يعجز ميسوري الحال عن دخول الأقسام الخاصة في المشافي، وذلك بسبب ارتفاع تكاليفها إلى حد لا يوصف” .

 ‏ويضيف بأنه يفترش إحدى ممرات المشفى ليبقى برفقة ابنه أثناء ‏فترة علاجه، بسبب عدم وجود مكان لينام به، وانه أحياناً يضطر للنوم في الشارع، وهو غير مهتم لهذا الأمر، المهم أن يتلقى ابنه العلاج الذي يجد صعوبة كبيرة بتأمينه بسبب ارتفاع ثمنه، وعدم توافره في الصيدليات وإن توفر فهو لا يملك ثمنه فهو بالكاد قادر على تحمل تكاليف التنقلات والفحوصات المخبرية، التي باتت تثقل كاهله بشكل كبير، لذلك فهم مجبرون على البقاء في المشفى على الرغم من سوء الخدمات المقدمة.  

 ‏ويلات المرض تضاف إلى ويلات الفقر بالنسبة لمرضى السرطان، مما يزيد حجم معاناتهم وتزداد ظروف الرعاية الصحية في المشافي سوءاً، مما يضاعف من مآسي المرضى، حيث يشكو العديد منهم من عدم فاعلية الأدوية التي يتم تقديمها ‏عن طريق المشافي الحكومية، مما يضطرهم لشراء أدوية أجنبية باهظة الثمن، لأنها غالبا ما تكون اكثر جدوى، إذ أن ‏العديد من الأدوية الموجودة لمرضى السرطان في الأسواق، تصل تكلفتها في الحد الأدنى إلى 500 ألف ليرة سورية، ‏وتصل بعض الجرع  الى المليون ليرة سورية، في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر.

إقرأ أيضًا: القطاع الصحي في محافظة درعا، إهمال حكومي ونقص في الخدمات وغلاء الأدوية

 ‏(أم حسن 50 عاماً) وهي أحد سكان الريف الشرقي لمحافظة درعا. تقول: “بعد أن تدهورت صحتها خلال الأشهر القليلة الماضية توجهت ‏الى أحد الأطباء المختصين في مدينة درعا، وبعد اجراء العديد من الفحوصات المخبرية طلب منها الطبيب إجراء طبقي ‏محوري، وبسبب أن جهاز الطبقي المحوري معطل في المشفى الحكومي، اضطرت للجوء الى مشفى خاص لإجراء ‏التصوير الشعاعي المطلوب، ووصلت تكلفته إلى 250 ألف ليرة سورية.

 ‏توضح أم حسن أنه بعد أن تأكد الطبيب أنها مصابة بالسرطان، وسألها إذا ‏كانت ترغب بتلقي العلاج ضمن عيادته الخاصة في دمشق أم في المشفى الحكومي هناك، وبسبب عدم قدرتها على ‏تحمل التكاليف الباهظة للعيادة الخاصة، وافقت على تلقي العلاج ضمن المشفى الحكومي، الذي لا يوجد به شيء بالمجان إلا السرير الذي تنتظر عليه لتلقي العلاج.

 ‏تضيف، أنه في البداية تم تقديم الجرعة الأولى بالمجان عن طريق إحدى الجمعيات التي ‏تساهم بتقديم الجرعات المجانية للمرضى المقيمين داخل المشفى، ولكن للأسف كانت تلك الجرعة غير فعالة ودون أي ‏فائدة. ثم طلب منهم الطبيب المشرف على العلاج شراء الجرعات الأجنبية على حسابهم الخاص، لأنها أكثر فاعلية ‏ولكنها باهظة الثمن، حيث وصلت تكلفة الجرعة الواحدة لمليون ليرة سورية، وهي بحاجة لتكرار تلك الجرعة كل ‏21 يوم. إضافةً إلى اجراء فحوصات مخبرية كاملة بشكل دوري، تصل تكلفتها الى 100 ألف ليرة سورية.

إقرأ أيضًا: المواطنين والموظفين في مديرية الصحة بدون التزام بالإجراءات الصحية

 ‏‏يفتقد أهالي محافظة درعا إلى الكثير من الأساسيات التي تعتبر أمراً مفروغاً منه حتى باتت بعيدة كل البعد عن أيديهم، حيث انهم يكافحون من أجل ‏الحصول على الاحتياجات الأساسية، والوصول إلى حق الرعاية الصحية والحياة الطبيعية التي باتت مهددة أيضًا.

https://daraa24.org/?p=17472

Similar Posts