تبرز قضية الانتحار كواحدة من أبرز التحديات الاجتماعية والنفسية التي تستدعي الاهتمام والتحليل في سوريا. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، شهدت محافظة درعا وحدها 19 حالة انتحار، مما يعكس عمق الأزمات الاقتصادية والنفسية التي يعاني منها الأفراد. هذه الظاهرة ليست مجرد أرقام، بل هي قصص إنسانية مؤلمة تدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة وراءها وسبل معالجتها.
في شهر تشرين الثاني 2024، أقدم شاب من بلدة تل شهاب في الريف الغربي لمحافظة درعا على قتل نفسه بتناول مادة سامة. كان زوجاً وأباً لأطفال، لكنه عانى من مرض نفسي، دفعته للانتحار، وفق ما أكدته عدّة مصادر أهلية لشبكة درعا 24.
سبقه شاب آخر من البلدة نفسها، عُثر عليه مشنوقاً داخل منزله في شهر أيلول من العام نفسه، وكان يعاني من إصابة سابقة إثر ضربة بأداة حادة تلّقها على رأسه في وقت سابق أثّرت على حياته كلها. يُرجح الأهالي أنها دفعته في نهاية الأمر إلى شنق نفسه.
لم يكن هذان الشابان هما الوحيدان اللذان أقدما على الانتحار في العام 2024، فقد وثقت شبكة درعا 24 سبع حالات انتحار في المحافظة على مدار العام، بزيادة عن العام السابق 2023 الذي شهد خمس حالات، بينما سُجلت سبع حالات في عام 2022. وبذلك، بلغ إجمالي حالات الانتحار في درعا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة 19 حالة.
إقرأ أيضاً: الانتحار: الحلول الممكنة لمواجهة هذه المشكلة
حالات الانتحار لعام 2024
توزعت الحالات التي وثقتها الشبكة بين فئات عمرية وجندرية مختلفة:
أربع حالات باستخدام وسائل عنيفة: شنقوا أنفسهم داخل منازلهم، بينهم امرأة تبلغ 30 عاماً وأم لأربعة أطفال في بلدة إبطع في الريف الأوسط، ويافع من مدينة الصنمين في الريف الشمالي.
حالتان باستخدام مواد سامة وإحراق النفس: مثل الشاب الذي تناول مادة سامة في بلدة تل شهاب، وشاب آخر أحرق نفسه في وادي الأشعري، وهو ينحدر من مدينة طفس غربي درعا.
حالة واحدة بطلق ناري: وهو شاب من قرية المزيرعة غربي درعا أطلق النار على نفسه بعد تلقيه نبأ اغتيال شقيقه، الذي كان قد قَتَلَ قبل ثلاث سنوات شقيقه الآخر إثر قيام الأخير بقتل والدتهما المُسّنة.

إقرأ أيضاً: الانتحار: أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية وأدوار غائبة
الانتحار وصمة اجتماعية وتحديات التوثيق
يؤكد مراسلو درعا 24 أن غالبية الذين أقدموا على قتل أنفسهم كانوا يعانون من اضطرابات نفسية أو مشاكل صحية تركت آثاراً عميقة على حياتهم، بالإضافة إلى مشاكل عائلية أو تعاطي المخدرات. ويُرَجِّح المراسلون أن هؤلاء الأفراد لم يطلبوا المساعدة ليس بسبب عدم قدرتهم على ذلك، بل لعدم وجود خدمات دعم نفسي أو مراكز متخصصة لعلاج الإدمان.
غياب مثل هذه المراكز يزيد من تفاقم الأزمة، ويترك الأفراد الذين يعانون من هذه المشكلات دون أي دعم أو مساعدة، مما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات مأساوية.
يوضح الخبراء النفسيون أن انتشار ظاهرة الانتحار في درعا بشكل خاص، وسوريا عامة، يعود إلى عدة عوامل رئيسية، منها:
الأزمات الاقتصادية: مثل البطالة، والفقر، وارتفاع تكاليف المعيشة.
الاضطرابات النفسية: نتيجة غياب الدعم النفسي وضعف خدمات الصحة العقلية.
الصدمات الناجمة عن الحروب: وانعدام الأمن، وغياب الاستقرار الأسري.
بالإضافة إلى ذلك، يلفت الخبراء إلى عامل أكثر صعوبة وانتشاراً، وهو التأثيرات الاجتماعية. حيث تؤكد الدراسات أن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية وزيارة الطبيب النفسي، وحتى الحديث عن الانتحار، تمنع الكثيرين من طلب المساعدة. ويشير الخبراء إلى أن جميع من أقدموا على الانتحار لم يستشيروا طبيباً نفسياً أو يطلبوا أي نوع من الدعم.
تمتد هذه الوصمة إلى صعوبة توثيق حالات الانتحار. يؤكد مدير التوثيق في شبكة درعا 24 أن إحصاء الحالات يواجه تحديات كبيرة بسبب تكتم العائلات، التي تفضل إخفاء المعلومات بسبب الحساسية الدينية والاجتماعية. وهذا التعتيم يجعل من الصعب الحصول على إحصاءات دقيقة أو تقديم تدخلات مستهدفة.
ما تم توثيقه من حالات كان بناءً على تأكيدات من أقارب أو مصادر طبية، لكن من المؤكد أن هناك حالات لم تُسجل بسبب إخفاء العائلات للمعلومات، أو ادعاء أن الشخص توفي بسبب المرض أو أسباب أخرى.
إقرأ أيضاً: الانتحار مشكلة طارئة على المجتمع في درعا
إحصائيات الانتحار في سوريا عامة
كشف رئيس هيئة الطب الشرعي في سوريا، الدكتور زاهر حجو في تصريح لموقع أثر المحلي، عن تسجيل 221 حالة انتحار في عام 2024 في جميع المحافظات، منها 179 ذكراً و42 أنثى.
وقال حجو بأن عدد حالات الانتحار في العام 2024 ارتفع ما يقارب 32% عن العام الذي سبقه. حيث وصل عدد حالات الانتحار في المحافظات كافة في 2023 إلى 159 (109 ذكور و50 إناث).
بينما شهد عام 2022 سبع حالات انتحار في محافظة درعا، انخفض هذا الرقم إلى خمس حالات في عام 2023. وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض قد يبدو مؤشراً إيجابياً، إلا أن عودة العدد للارتفاع إلى سبع حالات في عام 2024 يكشف عن غياب حلول طويلة الأمد لظاهرة الانتحار.
مع ذلك، يرى الأهالي أن سقوط النظام السوري في نهاية العام قد فتح باباً للأمل، حيث أزال العديد من الهموم والمخاوف، خاصة بين الشباب. ومن أبرز التغييرات الإيجابية إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية، بالإضافة إلى توقعات بتحسن الأوضاع المعيشية، وانخفاض الأسعار، وتوفر فرص العمل، مما يعيد الأمل في مستقبل أفضل.
2 مليون سوري مصاب بالاكتئاب و300 ألف يفكرون في الانتحار
رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=47619