من مدارس محافظة درعا
من مدارس محافظة درعا

بدأت ظاهرة التسرّب من التعليم في محافظة درعا وفي جميع أنحاء سوريا بعد العام 2011 بالانتشار تدريجياً، وصارت تتعمّق  على مرّ سنوات الحرب، وتتنوع أسبابها، وتتراكم آثارها الكارثية، وتنعكس نتائجها على الطفل والأسرة والمجتمع، يوماً بعد يوم.

تقول الأستاذة (أ.س، وهي مديرة إحدى المدارس في الريف الغربي من محافظة درعا) في حديثها مع مراسلة درعا 24: “إن ظاهرة التسرب من التعليم كانت نتيجة عوامل كثيرة، أهمها سنوات الحرب الطويلة التي خلّفتْ واقعًا اقتصاديًا سيئًا، أدّى لتسرّب الأطفال من المدارس للعمل ومساعدة الأهل في تحسين واقعهم المعيشي، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار التي عاشها الطلاب”.

 وفقاً لتقارير أممية، فإن معدلات الفقر في عموم سوريا ارتفعت إلى أكثر من 90%. دفع هذا العديد من العائلات إلى إخراج أولادهم من المدارس لعدم تحمّل تكاليف الدراسة ولإرسالهم للعمل. إحدى هذه العائلات هي عائلة ’أبو نادر‘ من الريف الشرقي في محافظة درعا، الذي كان لديه خمسة أطفال في المدارس.

يقول أبو نادر لمراسل درعا 24: “مع ارتفاع تكاليف دراستهم واحتياجاتهم بشكل كبير، لم يكن لدي خيار سوى أن نعمل أنا وأولادي مع إبقاء البنات في المدرسة. فترك أولادي دراستهم وكانوا في المرحلة الإعدادية آنذاك، وبدأنا العمل سويًا في الأراضي الزراعية”.

يضيف ربّ الأسرة: “أنا حزين على حال أولادي بعد تركهم للتعليم، وأنهم بدأوا العمل في سن مبكرة، وتحملوا مسؤوليات أكبر من سنهم مقارنةً مع أقرانهم الذين أكملوا تعليمهم ودخلوا الجامعات، لكن الظروف ومصاعب الحياة كانت أكبر منّا”.

126 مدرسة خارج الخدمة حتى اليوم 

ذكرت منظمة اليونيسيف في تقرير لها أن حوالي 700 هجمة استهدفت مرافق وطواقم التعليم في سوريا، منذ بدء التحقق من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، كما أكّدت المنظمة أن هناك أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة في سوريا.

وفقاً لإحصائيات مديرية التربية في درعا، بلغ عدد المدارس المدمّرة بشكل كامل 111 مدرسة تحتاج إلى ترميم كلي، أما التي تحتاج إلى ترميم جزئي فهي 364 مدرسة، وقد تم ترميم بعضها على حساب منظمات دولية بالاتفاق مع مديرية التربية. (هذه الإحصائيات حتى العام 2020).

في تصريح لصحيفة تشرين الرسمية في مطلع هذا العام 2024 قال مدير التربية منهل العمارين بإن 126 مدرسة مدمّرة ما تزال خارج الخدمة في محافظة درعا. حيث وبالرغم من إعلان السلطات في سوريا فرضها السيطرة على المحافظة منذ العام 2018، إلا أن جهود الترميم والصيانة لا تتناسب مع حجم الدمار، وغالبًا ما تكون عبارة عن مبادرات مجتمعية من الأهالي.

يقول أحد أساتذة التربية في جامعة دمشق: “منذ بداية الأعمال العسكرية في محافظة درعا، تعرّضتْ العديد من المدارس للقصف، واستخدم بعضها كمراكز لإيواء النازحين من مناطق أخرى. وأكثر من ذلك، استخدمت أطراف الصراع بعض المدارس كثكنات عسكرية. أدى هذا إلى تسرب أطفال هذه المدارس من التعليم”.

يتابع: “في درعا انتهى كل هذا بشكل شبه كامل الآن، لكن إعادة الأطفال المتسربين من هذه المدارس يحتاج إلى جهودٍ ضخمة ولا يمكن ضمان نجاح هذه الجهود، فبعض هؤلاء الأطفال أصبحوا في سن لا يقبلون فيه العودة إلى المدرسة، وبعضهم تزوج وأصبح مسؤولًا عن أسرة، وبعضهم انخرط في عمل وأصبح لديه دخل يعيل به والديه وإخوته، وبعضهم غادر سوريا”. يختم الدكتور: “زوال الأسباب لم يؤدِ إلى حل المشكلة”.

بدأ التسرب المدرسي مع موجات النزوح الداخلي واللجوء، حيث اضطر الكثير من الطلاب لترك مدارسهم والتنقل من مكان إلى آخر، ما أدى لضياع العديد من السنوات الدراسية لدى الطلاب وعدم قدرتهم على تعويضها. كان الخيار الأنسب بالنسبة لهم هو ترك المدرسة. كان هذا هو الحال بالنسبة لدعاء التي تبلغ اليوم 20 عامًا. أكدت في لقائها مع مراسلة درعا 24 أنه مع بدء سنوات الحرب في سوريا كانت في الصفوف الأولى من دراستها، ثم بدأت بالنزوح داخل سوريا من مكان لآخر، إلى أن لجأت مع عائلتها إلى الأردن، وبقيت هناك أكثر من خمس سنوات بدون دراسة. عادت دعاء إلى سوريا بعد أن بلغت العشرين، وتؤكد أن الظروف أجبرتها على ترك المدرسة ولم يكن ذلك خيارها. تقول بحسرة: “اليوم أنا أمية لا أقرأ ولا أكتب”

كانت بداية التسرب المدرسي مع موجات النزوح الداخلي واللجوء، حيث اضطر الكثير من الطلاب لترك مدارسهم والتنقل من مكان إلى آخر، ما أدى لضياع العديد من السنوات الدراسية لدى الطلاب وعدم قدرتهم على تعويضها. كان الخيار الأنسب لهم هو ترك المدرسة. كان هذا هو الحال بالنسبة لدعاء التي تبلغ اليوم 20 عامًا، والتي أكدت في لقائها مع مراسلة درعا 24، بأنها مع بدء سنوات الحرب في سوريا كانت في الصفوف الأولى من دراستها، وبدأت بعدها بالنزوح داخل سوريا من مكان لآخر، إلى أن لجأت مع عائلتها إلى الأردن، وبقيت هناك أكثر من خمس سنوات بدون دراسة. عادت دعاء إلى سوريا بعد أن بلغت العشرين، تؤكد أن الظروف هي التي أجبرتها على ترك المدرسة ولم يكن ذلك خيارها. تقول بحسرة: “اليوم أنا أمية لا اقرأ ولا أكتب”.

إقرأ أيضاً: نقص كوادر التدريس يهدد التعليم في درعا

أسباب أخرى لـ التسرّب من التعليم

تُشير المرشدة الاجتماعية ريم الخالد إلى أسباب أخرى تتعلق بسوء جودة التعليم، مما يدفع الطلاب إلى ترك المدارس أو استسهال ذلك. تتعلق تلك الأسباب بالكادر التدريسي، مثل نقص أعداد المدرسين وعدم توافر العديد من التخصصات في المدارس، مثل أساتذة اللغات الفرنسية والإنكليزية والمواد العلمية مثل الفيزياء والرياضيات، حيث تشترك العديد من المدارس في استخدام أستاذ واحد فقط أو يتم الاستعانة بطلاب الجامعات لسد النقص، مما يجعل لدى الطلاب فجوة تعليمية كبيرة ويتسبب في انخفاض جدوى التعليم. وترى الخالد أن هذا الأمر يدفع الأطفال وذويهم إلى النظر إلى العملية التعليمية بأنها عديمة الفائدة، وأن من الأفضل للطفل ترك المدرسة وتعلم مهنة.

تضيف المرشدة: “مهمة المدرس ليست إيصال المعلومات إلى الطالب فقط، المدرس هو مرشد ومربي، وبالتالي إذا لم يكن مؤهلاً للتعامل مع الجوانب النفسية والاجتماعية للطفل وحاصلاً على دبلوم التأهيل التربوي، فإن الطفل قد يتعرض للإهمال والإساءة النفسية والاجتماعية سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة”.

يرى أيضاً المرشد الاجتماعي أحمد ياسر (اسم مستعار) ضرورة عدم حصر أسباب التسرب من التعليم بالحالة المعيشية القاسية في المحافظة. يقول: “لا شك أن الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار لها دور كبير في تسرب الأطفال من التعليم، ولكن هناك أسباب أخرى يجب تسليط الضوء عليها ومعالجتها للتخلص من هذه الظاهرة الخطيرة. فمثلًا، الإهمال وسوء المعاملة في المدارس هي واحدة من الأسباب التي أدت إلى حالات التسرب المدرسي”.

يروي الطالب أحمد (17 عامًا) للمراسل تجربته الشخصية مؤيدًا رأي المرشد الاجتماعي. يقول: “بعد أن حصلت على شهادة التعليم الأساسي، تركت المدرسة بسبب سوء معاملة المعلمين والمعلمات للطلاب من ضرب وإهانة وألفاظ نابية من جهة، وعدم إعطاء المعلم للدروس بمهنية. أي أن بعض المعلمين يتغيبون عن الحصص دون تعويض لاحق لهذه الدروس، واعتماد أغلب المدرسين والطلاب على الدروس الخصوصية، بل أصبحت هذه الدروس ظاهرة منتشرة وبعض الطلاب اكتفوا بها وفضلوها على المدرسة”.

الأستاذ سوسر طالوستان، الاستشاري في قضايا حماية الطفل والمنسق المشارك في كلاستر الحماية في استجابة شمال غرب سوريا، يرى أن من أهم الخسارات التي مُني بها قطاع التعليم في المناطق التي تعطلت بها الاستجابة الإنسانية، كجنوب سوريا، هي توقف أنشطة الحماية التي كانت تشرف عليها المساحات الصديقة للطفل والمراكز المجتمعية. خاصة أنشطة الدعم النفسي المجدول والترفيهي، وبرنامج المهارات الوالدية، وإدارة الحالة، والتي تعالج شواغل وقضايا الحماية كالتسرب من التعليم وعمالة الأطفال وغيرها.

إقرأ أيضاً: التعليم في درعا انتكاسة بعد الصدارة

المخدرات من أسباب التسرّب أيضاً

المخدرات التي أصبحت همًّا وحديث المجتمع في محافظة درعا بعد العام 2018 تُشكّل سببًا في كلّ بلاء، ومن ذلك التسرّب من التعليم. يقول أحد الوجهاء في بلدة الجيزة في الريف الشرقي: “لا يوجد شيء يقلقنا ويقض مضاجعنا مثل المخدرات، ذلك البلاء الذي عمَّ وطمَّ كما يُقال. المخدرات منتشرة ومتاحة بأنواع وأشكال، والمروجون والتجار شياطين يتفننون في استدراج الشباب الذين هم فريستهم السهلة، ويوقعون بهم ثم يرمونهم أجسادًا مريضة وأرواحًا منهكة. فكم من جريمة قتل وحالة انتحار كانت وراءها المخدرات، كانتحار (الطفل أ. ف) في قرية الجيزة منذ أشهر، وكم من شاب ترك المدرسة بعدما نهشت به المخدرات”.

لا توجد أرقام ولا إحصاءات حول المتسربين من التعليم بسبب المخدرات، بالرغم من تأكيد جميع الذين التقتهم درعا 24 من أبناء المحافظة على الدور الكبير للمخدرات في ظاهرة التسرب من التعليم. تؤكد المرشدة ريم الخالد أن عدم وجود أرقام وإحصائيات حول هذه النتائج يجعل من الصعوبة بمكان دراسة الحلول وإدارة المشكلة.

إقرأ أيضاً: المخدرات في درعا: آفة تفتك بالشباب

تخلص الخالد: “التسرّب من التعليم آفة خطيرة لما لها من آثار كارثية على الطفل والأسرة والمجتمع”. وتتابع حديثها حول الآثار المترتبة على التسرّب: “بدأنا نعاني من جيل أمي من الشباب تورط عدد منه في الجريمة والسرقة وتعاطي وتجارة المخدرات. أما على مستوى الأسر، فقد أدت زيادة الأمية إلى ارتفاع مستوى التفكك الأسري وازدياد حالات الطلاق والعنف الأسري وزواج القاصرات. أما على مستوى المجتمع والبلد، فالمستقبل قاتم ولا يوجد ما يبشر بالخير”.

تبقى ظاهرة تسرّب الأطفال من المدارس في درعا قائمة ومستمرة حتى اليوم، لاستمرار الكثير من أسبابها. ويبقى يترتب على ذلك آفات خطيرة تُصيب الطفل والأسرة والمجتمع وتهدد مستقبل سوريا، بينما الحلول ما تزال محدودة، وتتطلّب جهوداً كبيرة.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=41425

موضوعات ذات صلة