يرجع العنف ضد المرأة في حوران إلى مجموعة من العوامل، تتقدمها العادات والتقاليد الراسخة، وتداعيات الواقع الراهن وتأثيراته السلبية، خاصةً مع تدهور الوضع الاقتصادي. يُضاف إلى ذلك، نقص فعالية القوانين الرادعة وضعف تطبيقها، فضلاً عن غياب الأدوار الأساسية للمؤسسات الحكومية والتعليمية، وكذلك دور رجال الدين ووسائل الإعلام، والدور الحيوي الذي يجب أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات العمل الإنساني. لذا، يُعد العمل على مكافحة العنف ضد المرأة مسؤولية جماعية وحاجة ملحة للجميع، خصوصًا في ظل تنوع أشكال هذا العنف وتأثيراته الخطيرة على المجتمع بأسره.
تشدّد الخبيرة الاجتماعية، هدى علي في مقابلتها مع شبكة درعا 24، على أن معالجة القضايا ذات الجذور الاجتماعية والثقافية، والتي تتسم بحساسية مرتفعة مثل قضية العنف ضد المرأة، تحتاج إلى صبر ونفس طويل، إلى جانب تنفيذ خطط عمل مدروسة ومستدامة. وتؤكد على أهمية تظافر جهود السلطة والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والشبابية، بالإضافة إلى دور الأفراد الفاعلين في المجتمع، ولا سيما رجال الدين والإعلاميين والوجهاء والمثقفين. وتخلص الدكتورة إلى أن كل هذه الجهود قد لا تؤتي ثمارها إذا لم تأخذ المرأة دورها الفعّال في العملية، فكما أنها محور الظاهرة، يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من الحل.
إقرأ أيضاً: العنف ضد المرأة: الأنواع والآثار
التوعية هي أول الحلول
يُعتبر التوعية والتثقيف حجر الزاوية في مواجهة العنف ضد المرأة، حيث يؤكد أحد أساتذة التربية في جامعة دمشق في حديث مع الشبكة أن توعية المجتمع بأسره، والشباب على وجه الخصوص، حول قضايا كالمساواة الجندرية وحقوق المرأة، يُمثل خطوة جوهرية في مواجهة هذه الظاهرة.
ويُشير الأستاذ الجامعي: “أن الدور الأوّل هو للسلطة ومؤسسات الدولة وللأسف تعاني سوريا عمومًا من غياب هذا الدور، لذلك يجب تعزيز دور الدائرة الثانية متمثلةً بالجمعيات النسائية والمؤسسات المدنية والإنسانية والحقوقية. كما يجب أن يكون هناك مساهمة من الأجسام الطلابية والأنشطة الجامعية، ومن رجال الدين والمؤثرين الاجتماعيين، خاصةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويؤكد على أن التوعية والتثقيف يعتبران من أهم العوامل في مكافحة ظاهرة العنف ضد النساء، ويلعبان دوراً حيويًا في تغيير العقليات والسلوكيات والمواقف، ويسهمان في تعزيز ثقافة الاحترام والمساواة بين الجنسين.
تُسلط المرشدة الاجتماعية ريم الخالد الضوء على أهمية المدارس كمنصّة مهمّة لتوعية الشباب بقضايا العنف ضد النساء. حيث ترى أنه يمكن إدراج دروس وأنشطة تثقيفية ضمن المناهج الدراسية، خاصةً في مناهج الدراسات الاجتماعية والصحة النفسية، وتعتبرها خطوة مهمة لتعزيز الوعي بأهمية احترام حقوق النساء والفتيات ومناهضة العنف ضدهن.
كما تُشير إلى أهمية تنظيم ورش العمل والتدريبات للمعلمين والقادة الشباب والمتخصصين في المجال الاجتماعي لتطوير مهاراتهم في التعامل مع قضايا العنف ضد النساء. وتُؤكد على الدور الحيوي للمبادرات المجتمعية مثل الندوات والمحاضرات والمسرحيات وورش العمل في الأحياء والمجتمعات المحلية، لتعزيز الوعي بقضايا العنف ضد النساء والعمل على إيجاد حلول مشتركة.
إقرأ أ]ضاً: العنف ضد المرأة في درعا: أسباب عديدة وأدوار غائبة
ضرورة تدّخل المنظّمات غير الحكوميّة
تؤكد الأستاذة نهلة، الناشطة في مجال العمل الإنساني، على أهمية التعاون وتوطيد الشراكات مع الجمعيات النسائية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم حملات التوعية والتثقيف وتقديم الدعم والمساعدة للنساء المتضررات من العنف. وتؤكد على أن هذا الدور قد أصبح كبير الأهمية وخاصة في ضوء غياب الدور الحكومي والتأثير الواسع والمتنوع للأزمات.
وتوضح أن من بين التدخلات الوقائية التي ينبغي للمنظمات الإنسانية اتخاذها، والتي من شأنها أن تكون شديدة التأثير والفعالية، تتضمن أنشطة الحماية التي تشمل الوقاية والاستجابة، وتشتمل على برامج التوعية لكافة الأعمار والجنسين، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي المنظّم، والمشورة النفسية الفردية، وأنشطة تطوير مهارات الحياة والتمكين.
تتحدث الأستاذة نهلة عن خبرتها في تنفيذ هذه البرامج والأنشطة ضمن الاستجابة الانسانية في منطقة شمال غرب سوريا خلال اتصال مع مراسل درعا 24: “عوضت هذه التدخلات الدور الغائب للسلطات، وأسهمت بشكل ملموس ومؤثر في مكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة، وأكثر من ذلك، شاركتْ في تمكين المرأة وتعزيز حقوقها”.
وتتابع بالتأكيد على أهمية تقديم تدخل خاص لليافعات المتزوجات، وأنها تشارك في مبادرة اسمها “أمل” في منطقة شمال غرب سوريا، والتي تتألف من ثلاثة أقسام: نادي الأمهات الصغيرات الموجه للفتيات المتزوجات دون سن الـ18، والجانب الاجتماعي الذي يستهدف الأفراد المؤثرين في المجتمع، والجانب الصحي الموجه للمهنيين في القطاع الطبي والصحي. وتشير إلى الحاجة الملحة لتأكيد أهمية وفائدة برامج إدارة الحالات المتكاملة.
وتختتم الأستاذة نهلة حديثها بالتأكيد على أن من الضروري أن تستند أعمال المنظمات الإنسانية ومؤسسات المجتمع المدني إلى ثلاثة مبادئ رئيسية: الوقاية من العنف ضد المرأة، تحسين أنظمة الاستجابة لحالات العنف، وتمكين المرأة وتعزيز قدراتها.
تعزيز القوانين وتشديد العقوبات
لا شك أن مواجهة ظاهرة بمثل هذا الحجم والخطورة تستلزم تشريعات وقوانين وعقوبات صارمة. يتحدث المحامي م. أبازيد مع المراسل عن الحلول القانونية، مشيرًا إلى أن تعزيز القوانين وتشديد العقوبات يعدّان جزءًا أسياسيًا من الاستجابة الفعّالة للعنف ضد النساء في حوران. ومن الإجراءات التي يقترحها لتعزيز القوانين وتشديد العقوبات:
- مراجعة وتحديث التشريعات القائمة المتعلقة بقضايا العنف ضد النساء وتحسينها لضمان فعالية الحماية القانونية وتحقيق العدالة، بما في ذلك أن تشمل تعريفات واضحة لأنواع العنف وآليات الحماية.
- تشديد العقوبات بفرض عقوبات حاسمة على الجناة المتورطين في جرائم العنف ضد النساء، تتضمن عقوبات جنائية ومدنية وإدارية، متناسبة مع خطورة الجرائم وتكرارها، وتشمل السجن الطويل والغرامات الكبيرة وإجراءات الحظر والمراقبة القضائية.
- توفير آليات حماية فعّالة للنساء اللواتي يتعرضن للعنف، بما في ذلك طلبات الحماية والإجراءات القضائية السريعة والفعّالة، والدعم القانوني والنفسي للضحايا.
ويعتقد أحد القضاة المتقاعدين من أبناء حوران أنه لمواجهة العنف ضد النساء، يجب تدريب وتأهيل القضاة ورجال الشرطة والمحامين على هذه القضايا، وضرورة تطبيق القوانين بشكل صارم وعادل لضمان حماية حقوق الضحايا وتحقيق العدالة. ويشدد على أهمية توفير التثقيف القانوني للنساء والمجتمع عمومًا حول حقوقهم والإجراءات القانونية المتاحة في حال التعرض للعنف، بما في ذلك كيفية تقديم البلاغات والوصول إلى الدعم القانوني.
تؤكد الأستاذة نهلة على ضرورة تقوية الشراكات والتنسيق بين المنظمات الإنسانية والهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية المعنية بقضايا حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، بهدف تبادل الخبرات والمعلومات وتعزيز العمل المشترك لمكافحة العنف ضد النساء. وتشدد على أهمية تضمين موضوعات قانونية ذات صلة في جلسات التوعية حول العنف القائم على الجنس، وأن تشمل إدارة الحالة أيضًا التعامل مع القضايا ذات البعد القانوني للنساء الناجيات من العنف.
إقرأ أيضاً: العنف ضد المرأة: المجتمع يهاجمها والقانون لا يحميها
التوعية الدينيّة عامل مُؤثر
يؤكد الشيخ أبو إبراهيم، إمام وخطيب أحد المساجد في الريف الشرقي من درعا في حديث مع الشبكة، على أهمية دور الدين في مكافحة العنف ضد النساء. ويرى أن تعزيز هذا الدور يمكن أن يكون عاملًا مُؤثرًا في حوران، ويمكن تعزيزه من خلال برامج تثقيفية وتوعوية للمجتمع، حول حقوق النساء وكرامتهن في ضوء التعاليم الدينية، مما يساعد على تصحيح المفاهيم الخاطئة والسلبية حول دور المرأة في المجتمع، بالإضافة إلى التأكيد على القيم الإنسانية مثل العدالة والرحمة والتسامح واحترام حقوق الإنسان. وذلك من خلال التحذير من هذه القضايا في خطب الجمعة.
ويشير إلى أن من واجب وزارة الأوقاف توجيه الخطباء والوعّاظ لتحمّل مسؤولياتهم في التعريف بمواقف الدين المعتدلة والمتسامحة تجاه حقوق النساء ومنع العنف ضدهن، وحثّهم على التحدّث بوضوح ضد الظواهر السلبية في المجتمع. كما يرى أنه يجب على الوزارة تنظيم دورات تدريبية لرجال الدين لتأهيليهم للقيام بهذا الدور بكفاءة عالية.
إقرأ أيضاً: “جرائم الشرف” في سوريا موروث اجتماعي قديم
مسؤولية الإعلام في مواجهة العنف ضد المرأة
يؤكد الإعلامي ع. العاسمي على أهمية مسؤوليات الإعلام في مواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي وإرساء حلول له. ويتعين على الإعلام – وفقًا له – أن يجعل ضمن مساعيه تسليط الضوء على مشكلة العنف ضد النساء في حوران بتقديم تقارير موضوعية ومتوازنة، مع إبراز العقبات التي تعترض سبيل مكافحة هذه الظاهرة والاقتراحات الموضوعة لحلها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لوسائل الإعلام المستقلة تقديم برامج تثقيفية وتوعوية حول حقوق النساء والتأثير السلبي للعنف على المجتمع، مما يساهم في زيادة الوعي العام ويساعد في تغيير الأفكار والسلوكيات الخاطئة. ويرى الإعلامي العاسمي أنه من الضروري أن تلعب وسائل الإعلام دورًا فعالًا في تعزيز الحوار العام حول قضايا العنف ضد النساء، وتشجيع المجتمع على المشاركة في هذا النقاش وتبادل الآراء والخبرات.
يرى أحد أساتذة الإعلام من أبناء حوران والمُقيم في أوروبا أنه من الضروري على وسائل الإعلام المستقلة أن تبذل جهودًا تفاعلية، وأن تتخطى الطرق التقليدية – مع أهميتها – لتشمل أساليب جديدة مثل رصد ومتابعة الحالات. وأنه يجب على هذه الوسائل تسجيل وتوثيق الحوادث المرتبطة بالعنف ضد النساء في حوران، ومتابعة التحقيقات والإجراءات القضائية والقانونية المُتخذة إزاءها.
يضيف أستاذ الإعلام: “يجب أيضاً تشجيع التغطية الإعلامية الشاملة لقضايا العنف ضد النساء، بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والجنسي“.
كما يرى ضرورة إنتاج ونشر محتوى إعلامي يهدف إلى تثقيف وتوعية النساء بحقوقهن وطرق تحصيلها والدفاع عنها، وكذلك وتوعية الرجال والشباب بأساليب التعامل الصحيحة مع النساء ون إلحاق الأذى بهن سواء جسديًا أو نفسيًا.
ويعتقد الأستاذ أنه يجب على السلطات تشديد الرقابة على المحتوى الإعلامي والدرامي، وإزالة أي محتوى يُروج للعنف بجميع صوره وأشكاله، مع التركيز على الجوانب الإيجابية للعلاقات الإنسانية.
وفقًا للدكتورة هدى علي، فإنه يمكن لوسائل الإعلام المستقلة أن تقدّم الدعم النفسي والمعنوي للضحايا أو المعنفات أو الناجيات، وأن تبرز الخدمات والموارد المتاحة لهن.
إقرأ أيضاً: العنف الأسري ضد النساء في درعا
سُبل التصدّي للعنف الرقمي
يؤكد مدير الموقع الإلكتروني في شبكة درعا 24 على الحاجة الملحة للتصدي للعنف الرقمي ضد المرأة، مشيرًا إلى أهمية التركيز على الحلول المرتبطة بالشباب لأن الجاني والضحية في هذا النوع غالباً ما يكون من الشباب.
ويرى أن الحلول لهذا النوع من العنف لا يمكن ان تؤتي اكلها الا بتضافر جهود الجميع على كافة المستويات، بما في ذلك التشريعي والقانوني، حيث يجب وضع تعريفات دقيقة للعنف الرقمي ضد النساء وسنّ قانون خاصّ بالتحرش الإلكتروني مع فرض عقوبات رادعة، خاصة في حالة تكرار الفعل، وذلك بما يتماشى مع التطور التكنولوجي في العصر الحالي. الذي يلعب دوراً كبيراً في التصدى لجرائم الابتزاز الشخصي التي يعاني منها أفراد المجتمع، وخاصة الفتيات فى ظل المنظومة الاجتماعية المتأثرة بالنزاع في سوريا، حيث تخضع الفتيات للكثير من القيود والضوابط التي تجعلهن عرضة للضغوط مما يسهل ابتزازهن والضغط عليهن.
ويشير إلى دور الإعلام البارز في مواجهة العنف الرقمي، حيث يمكن إنشاء منصات للتواصل الاجتماعي تهدف إلى محو الأمية الرقمية ونشر الوعي بخطورة الجرائم الإلكترونية والعنف الرقمي الذى قد تتعرض له النساء، وكيفية حماية الأجهزة الرقمية من الاختراق وسرقة المعلومات الشخصية. كما يؤكد على أهمية الدور التوعوي لوسائل الإعلام فيما يتعلق بالقوانين المرتبطة بظاهرة العنف الإلكتروني لضمان عدم شعور الجناة بالأمان عند ممارستهم هذا النوع من العنف، أنهم سيكونون بعيدين عن طائلة القانون والمحاسبة.
ويحثّ مدير الموقع على ضرورة تأسيس ودعم هيئات متخصصة في المواثيق والروابط والنقابات الإعلامية والصحفية لرصد العنف ضد المرأة في وسائل الإعلام، ومن ثم توظيف تحليل البيانات التي ترصدها هذه الهيئات لإنتاج مواد إعلامية توعوية حول هذه القضية.
من جانبه، يناقش المحامي أحمد الزعبي الحلول لمشكلة العنف الرقمي ضد النساء من منظور قانوني، مقترحًا أن تخصص السلطات خطًا ساخنًا للإبلاغ عن أعمال العنف الإلكتروني بشكل عام، وتلك التي تستهدف النساء بشكل خاصّ.
يبقى العنف ضد النساء في حوران ظاهرةً اجتماعيةً تُشكّل خطرًا متواصلًا يُهدّد حياة النساء ويحدّ من حرياتهنَ، ويحرمهنَ من حقوقهنَ. ويعتبر هذا العنف اعتداءً على جوهر الإنسانية ينتهك كرامتها، حيث لا يقتصر الأمر على كونه مشكلة تخصّ الأفراد فحسب، بل هو قضية مُعقدّة تتجذر في بنية المجتمع وتستلزم استجابة جماعية عاجلة ومؤثرة.
رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=40528