يعتبر الانتحار من المشاكل الطارئة التي باتت تهدّد المجتمع السوري. وتفاقمت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ جراء الحرب المستمرة، وخاصّة بين فئتي اليافعين والنساء. كانت قبل ذلك تظهر حالة انتحار هنا أو هناك وعلى فترات زمنية متباعدة جداً، وتهزّ المجتمع وتصبح حديثه لأيام أو ربّما لسنوات. أمّا في السنوات الأخيرة فقد ازدادت هذه الحالات، وتصدرتْ مواقع الأخبار في مختلف المحافظات السورية.
تقول السيدة أم قاسم من بلدات الريف الشرقي لمراسلة درعا 24: “عمري أكثر من سبعين سنة. قبل هالأيام ما شفت ولا سمعت أنه حدا بينتحر بحوران، هسع الوضع بخوف، ما بعرف شو صاير لعقول البشر. صحيح الحياة صعبة والمشاكل كثيرة وضيقة على كل الناس بس ما توصل إنه الإنسان يقتل نفسه… يعني خسرنا دنيتنا ونخسر آخرتنا كمان”.
إقرأ أيضاً: الانتحار، اختيار الطريق الأسهل للهروب من الواقع!
أرقام وإحصائيات مرعبة
وثقت شبكة درعا 24، سبع حالات انتحار خلال العام 2022، وخمس حالات أخرى في العام 2023، وأربع حالات من بداية العام 2024 وحتى منتصف شهر يوليو / تموز. موثقين جميعهم بالاسم، غالبيتهم من الشباب واليافعين، نساء ورجال، وكانت أساليب الانتحار مختلفة – غالبيتها شنق – دون معرفة الأسباب التي وصلت بهم إلى ما وصلوا إليه.
يؤكد فريق التوثيق في الشبكة أن هناك صعوبة في توثيق جميع الحالات في المحافظة، بسبب حساسية هذه القضية بين الأهالي دينياً واجتماعياً، ويفضلون عدم الخوض في تفاصيل الحوادث، كونها ظاهرة اجتماعية دخيلة على المجتمع في محافظة درعا.
من بين حالات الانتحار التي وثقتها الشبكة: كان هناك ثلاثة يافعين في مدينة الصنمين في الريف الشمالي وحدها في حوداث متفرقة، وكان هناك حالة لطالب جامعي في بلدة معربة في ريف درعا الشرقي، وحالة انتحار ليافع بتفجير قنبلة يدوية في نفسه في بلدة الجيزة شرقي درعا.
في سوريا بشكلٍ عام، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان وقوع 42 حالة انتحار في النصف الأول من العام 2024، كانت موزعة على النحو التالي:
- تسع حالات ضمن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، بينهم 4 أطفال و4 سيدات.
- أربع عشرة حالة ضمن مناطق سيطرة قوات النظام بينهم 4 أطفال وسيدة.
- ثلاثة عشر حالة ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بينهم 5 سيدات وطفل.
- ست حالات ضمن مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها بينهم سيدة.
في حديثه لصحيفة الوطن، أكد مدير عام “الهيئة العامة للطب الشرعي” في سوريا زاهر حجو، أنه خلال العام 2023 سجلت الهيئة 146 حالة بينما في العام 2022 كان عدد الحالات المسجلة 175 حالة.
وقال حجو في تصريح آخر لموقع أثر برس شبه الرسمي، إن الحالات توزعت على المحافظات السورية وفق التالي، (دمشق 19 حالة، ريف دمشق 34 حالة، القنيطرة حالة واحدة، درعا 7 حالات، السويداء 22 حالة، حمص 4 حالات، حماة 13 حالة، حلب 35 حالة، طرطوس 18 حالة، اللاذقية 22 حالة.
أشار فريق “منسقو استجابة سوريا” الذي ينشط في شمال غرب سوريا في تقرير له نشره في 10 شباط/ فبراير 2024، إلى زيادة نسبة الانتحار بمقدار 120 بالمئة، قياساً بعدد الحالات المسجلة في العام الماضي. ففي الربع الأول من العام 2024 سجلت “مديرية الصحة” التابعة لحكومة الإنقاذ (التي شكلتها هيئة تحرير الشام) في مدينة إدلب، 22 حالة انتحار من بينهم 4 أطفال.
ولم يقتصر الأمر على السوريين داخل مناطق سوريا على اختلاف قوات السيطرة والأمر الواقع، بل امتد إلى السوريين خارج البلد فقد سجلت العديد من حالات الانتحار في بلاد المهجر، لعل أشدّها بشاعةً كانت انتحار رجل سوري في تركيا منذ شهرين بعد أن قتل زوجته وأولاده.
إقرأ أيضاً: وفاة سيّدة جراء إطلاقها النار على نفسها
الفئات الأكثر تسجيلاً
وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان فإن نصف حالات الانتحار تقريباً في سوريا في النصف الاول لعام 2024 كانت لأطفال ونساء (9 أطفال و11 سيدة). كما أكد فريق “منسقو استجابة سوريا” أن فئة الأطفال والشباب هم الفئة الأبرز من فئات الضحايا في المناطق التي يغطيها.
تقول المرشدة الاجتماعية رشا. خ في حديثها لمراسل درعا 24: “الأخبار عن حالات الانتحار في سوريا عموماً وفي درعا خصوصاً، مرعبة لكن الأمر الأكثر خطورة – برأيي – هو الفئات العمرية والجندرية التي سجلت فيها حالات الانتحار، حيث من الواضح أن نسبة عالية من حالات الانتحار كانت ضمن فئات الأطفال واليافعين والنساء”.
تتابع المرشدة: “هذا يعكس صورة قاتمة عن حاضر ومستقبل البلد وإلى أي مدى خطير وصلت اليه الاوضاع في سوريا”.
إقرأ أيضاً: اضطرابات نفسية ناتجة عن الحرب، وإقبال على العيادات في درعا
ما خفي أعظم
أما إحدى طبيبات الأسرة في محافظة درعا، فتؤكد لمراسلة درعا 24 بأن الأرقام الحقيقية أكثر من المنشورة وتعزو ذلك الى خوف الأسر من ما يسمى “الوصمة”. تقول: “لا يتم تسجيل كثير من حالات الانتحار في درعا، وأظن في كل سوريا على أنها انتحار بل توصف بأنها وفاة طبيعية أو نتيجة مرض أو سقوط من سطح أو غرق في بئر ماء وغير ذلك، خوفاً من وصمة العار”.
تتابع الدكتورة: “في المقابل، يتم تسجيل بعض جرائم القتل على أنها انتحار وخاصة ما يُسمّى القتل دفاعاً عن الشرف، وذلك بهدف الإفلات من العقوبة والتحايل على القانون”.
مما يؤكد أيضاً عدم دقة الأرقام والإحصائيات حول حالات الانتحار في سوريا، عدم وصول جميع الحالات إلى المشافي والقضاء، يقول المحامي أحمد الزعبي في حديث مع المراسل: “لا أثق بالأرقام المُسجلة عن الانتحار، حيث يتم فقط تسجيل الحالات التي تصل إلى المشافي أو إلى الأمن الجنائي. قبل 2011 كانت الأرقام دقيقة بنسبة جيدة، أما الآن وبسبب ضعف أو انعدام سيطرة أجهزة الدولة، يتم الدفن دون أي مراجعة للمشافي أو كشف من الطب الشرعي أو ملاحقة جنائية أو قضائية، حتى في حالات وجود ملابسات و شكوك حول الوفاة، مثل أن يكون المتوفى شاباً أو امرأة صغيرة في السن”.
حتى لو كانت الأرقام المعلنة حقيقية ولا يوجد حالات أخرى غير مسجلة، فإن الأمر يعكس غزواً لمشكلة خطيرة، لم يكن يألفها المجتمع السوري سابقاً، و يدل على ضرر كبير لحق المنظومة الاجتماعية والأخلاقية والثقافية في سوريا.
رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=42463