مدينة درعا جنوبي سوريا

 لم يجد أهالي محافظة درعا مخرجاً من تفاقم الازمات المعيشية ولو مؤقتاً سوى موروثاتهم الاجتماعية الداعمة لقيم التكافل الاجتماعي والترابط فيما بينهم، في ظل الظروف البالغة الصعوبة التي تعيشها محافظة درعا، إذ لم يعد خافياً على أحد حقيقة الوضع الاقتصادي والمعيشي والصحي المتدهور. 

يعدّ التكافل والتراحم سمةً بارزة في أهالي محافظة درعا، وخاصّةً في وقت الشدائد والأزمات، فبعد الأحداث الدامية التي شهدتها سوريا منذ العام 2011، وتزايد معاناتهم بسبب  توالي الازمات السياسية والاقتصادية والمعيشية التي عصفت بالبلاد، والتي كان لها تداعيات كبيرة على الأهالي، ووسط هذا الواقع المُزري تبرز أهمية التكافل الاجتماعي، حيث استطاع العديد من أبناء محافظة درعا تحويل هذه المحنة الى منحة عطاء ودعم، بتقديم يد العون والمساعدة بطرقٍ شتى، وإعانة المحتاجين والفقراء والوقوف إلى جانبهم.

مبادرات اجتماعية

تنوعت أشكال التكافل الاجتماعي في درعا عبر مبادرات فردية وجماعية أطلقها أهالي المحافظة، بهدف مساعدة بعضهم بعضاً، لتجاوز المحن التي ألمتْ بهم تزامناً مع تفاقم اشتداد الأزمات التي تعصف بهم من كل حدبٍ وصوب، ففي فترة انتشار جائحة كورونا، وسط تردي القطاع الصحي وضعفه وتراجع خدماته، أطلق أهالي محافظة درعا مبادرات أهليةٍ للتصدّي للوباء وتقليل خسائره البشرية، شملت مدن درعا وانخل وجاسم ونوى والحراك.

 تتباين هذه المبادرات فيما بينها، في درجة التنظيم والإمكانات تبعا لحجم التبرعات الاهلية،  وقد تمكن أهالي مدينة بصرى الشام من إدخال وحدة لإنتاج وتعبئة الأوكسجين، وذلك بعد حملة التبرعات التي أطلقها أهالي المدينة والتي تمكنوا خلالها من جمع مبلغ 300 مليون ليرة سورية، بهدف شراء وحدة لإنتاج الأوكسجين، وفي الأيام الأولى لشهر رمضان وزع أهالي بلدة علما اكثر من 60 مليون ليرة على 260 عائلة فقيرة، وتم تنفيذ تلك التجربة في اغلب مناطق درعا. 

في بلدة خربة غزالة تم ترميم شبكات الكهرباء وانارة الطرق الرئيسية بمصابيح تعمل على الطاقة الشمسية، وتم اصلاح المدارس المهدمة وحفر آبار مياه تكفي حاجة البلدة، وذلك من خلال التبرعات التي تم جمعها العام الماضي 2020، وفي مدينة نوى جمع أهلها 80 مليون ليرة سورية لترميم مستشفى نوى الوطني في ظل انتشار جائحة كورونا.

إنّ الاقتصاد السوري يمر بأسوأ مراحله منذ عام 2011 فهبوط الليرة إلى أدنى مستوياتها أدى إلى انخفاض قيمة الرواتب، وارتفاع تكلفة الواردات وزيادة أسعار المواد الغذائية إلى أكثر من الضعف، وضعفت القدرة الشرائية، حتى بات الفقر والغلاء يرمي بظلاله الثقيلة على حياة كثير من الأسر، وأثر على قدرة أربابها بتأمين احتياجاتهم اليومية، ففي هذه الأوقات الصعبة التي يعيشها أهالي محافظة درعا، كان لزاماً على أهلها أن يحافظوا على تكاتفهم  لمحاولة تخطي تلك الازمات باقل الخسائر، فالمئات من الأهالي تضرروا جراء الحصار الخانق المفروض على المنطقة، مما جعلهم في أولويات أصحاب الايادي البيضاء، الذين سارعوا للعمل على توفير احتياجات هذه الفئات.

إقرأ أيضًا: مبادرات محلية في معظم مناطق درعا في ظل سوء الحالة المعيشية

شهادات من الواقع

  وفي هذا الصدد تقول الأربعينية أم محمود، أنّها أم لطفلة تعاني من مرض القلب وعند استشارة الطبيب طلب إجراء عملية مستعجلة لها، تتراوح تكلفتها بين 7 و8 ملايين ليرة سورية، وهي لا تملك من ذلك المبلغ شيء، وذكرت بأنّها بمساعدة أهالي البلدة تمكنت من إجراء العملية لابنتها الصغيرة عن طريق التبرعات، التي تماثلت للشفاء بفضل مساعدتهم لها لتخطي تلك الأزمة لتُثبت فعلاً حقيقة المقولة التي طالما ترددت على أسماعنا ممن هم أكبر منا سنّاً “في وقت الشدائد تظهر معادن الناس”.

ولا يقتصر التكافل الاجتماعي على الجانب المادي فقط، بل يشمل الجانب المعنوي الذي يرتكز على التضامن والشعور النفسي مع بقية أفراد المجتمع، وهو ما أكده  الخمسيني أبو سامر الذي بقي وحيداً مع زوجته بعد أن تفرّق أولاده بين مهاجرٍ وشهيد، ذكر أنه قد أصيب بفيروس كورونا، وأن الدعم الذي حصل عليه من أهالي بلدته لم يكن مادياً لأنه لم يكن بحاجة لأي مساعدة مادية، فالدعم الذي حصل عليه كان معنوياً، تمثل بوقوف أهالي البلد إلى جانبه وعدم التخلي عنه ورفع معنوياته، لما أُصيب به من احباط خلال فترة مرضه وعلاجه من فيروس كورونا، وأكد أنّ وقوف أصدقائه وجيرانه معه، كان أهم من أي دعم من الممكن أي يحصل عليه بسبب الخوف والياس الذي سيطر عليه اثناء فترة علاجه.

إقرأ أيضًا: أسعار الألبسة تحلق مع المناسبات، والمبادرات الخيرية لا تغيب

رغم صعوبة الحياة التي تشهدها محافظة درعا هذه الأيام، شقت مبادرات خيرية طريقها لإعانة الفقراء والمحتاجين، إذ ليس من مخرج لمواجهة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، إلا أن يتقاسم أبناء المجتمع  انعكاسات هذه الأوضاع. 

https://daraa24.org/?p=16342

Similar Posts