الصحفي محمد العويد
الصحفي محمد العويد
الصحفي محمد العويد ابن محافظة درعا، يتحدث لدرعا 24 عن تحديات وآفاق الإعلام السوري: نحو بناء إعلام حر ومستقل في مرحلة ما بعد النظام

يشهد الإعلام السوري اليوم مرحلة مفصلية بعد سقوط النظام الذي أحكم قبضته على الصحافة ومؤسساتها لعقود طويلة، ولا سيما خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة. ومع هذا التحوّل، انفتح الباب أمام أفقٍ جديدٍ يطمح إليه الصحفيون والمؤسسات الإعلامية في سوريا، لتمكين العمل الإعلامي الحر والمستقل. ومع ذلك، فإن الطريق نحو تنظيم هذا القطاع وضمان حرية التعبير لا يزال مليئاً بالتحديات.

في هذا السياق أجرت شبكة درعا 24 مقابلةً خاصّة مع الصحفي محمد العويد من أبناء محافظة درعا، للحديث عن هذا المشهد والكثير من الأمور المتعلقة به وتحديات وأولويات العمل الإعلامي في هذه المرحلة. يتناول الحوار قضايا مثل واقع الاتحادات التي أُنشئت مؤخرًا، وظروف الناشطين والصحفيين في البلاد، وأداء الحكومة في الجانب الإعلامي، والدور الذي يجب أن تضطلع به المؤسسات الصحفية لدعم التحول الإعلامي في سوريا.

ينحدر الصحفي محمد العويد، من بلدة معربة في الريف الشرقي من محافظة درعا. وهو خريج جامعة دمشق قسم الصحافة. عمل مديراً لفرع وكالة سانا في درعا، وفي صحف سورية أخرى قبل اندلاع الثورة في 2011. وعمل بعدها في تلفزيون “سوريا الشعب” الذي أُنشئ في عمّان في الأردن، حيث كان يقيم هناك. بعدها في تلفزيون “18 آذار” للمعارضة السورية. وفي عام 2014، هاجر إلى فرنسا. عمل من هناك مع تلفزيون “أورينت” كمراسل، وكذلك في موقع “زمان الوصل”. كما تعاون مع “تلفزيون سوريا”. وحالياً، ينشر مقالاته في عدد من المواقع الإلكترونية بصفة مستقلة، وليست دائمة.

كيف تُقيّم المشهد الإعلامي في سوريا اليوم بعد سقوط النظام الذي كان يُحكم قبضته بشكل كبير على الإعلام الرسمي وكل وسائل الإعلام في مناطق سيطرته؟ وما هي الآفاق التي تتطلع إليها من الإعلام السوري في المستقبل؟

أعتقد أن المشهد الإعلامي يعني – مرحليّاً – خلال هذه المرحلة لا يمكن تقييمه بالأدوات الطبيعية المعتادة؛ لأن الكل يشعرون أن هذه المرحلة هي مرحلة انتقالية، مرحلة تأتي بعد انهيار نظام الأسد وهروبه، وحل أكبر مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية. وبالتالي، حالة الحرية – إذا جاز التعبير – في أوجها، في ذروتها، بدون أي ضوابط، بدون أي قواعد، في حالة من عدم المسؤولية الإعلامية. لأن هناك سعة أفقية في انتشار الشائعات والمصادر غير المسؤولة، وعدم التأكد من الأخبار في حالة متناقضة بالقدر الذي نرى فيه الوجه الإعلامي الإيجابي من الحريات التي سادت في سوريا بعد فترة كبت طالت أكثر من عقود، نرى أيضاً غياب أدوات الدولة أو مؤسساتها التي يفترض أن تكون هي المصدر الرئيسي لفهم هذه التحولات، أو المصدر الرئيسي للأخبار التي تخاطب الناس أو تكون مصدراً للمعلومات منها.

كيف يمكن بناء إعلام يتمتع بالحرية في سوريا؟ وما هي التحديات التي تعيق تحقيق ذلك في المرحلة القادمة؟

بتقديري، أولاً، يفترض أن يتحمل الجميع المسؤولية كشارع، كصحفيين، كنخب سياسية، وأن تكون على قدر المسؤولية. لأن المرحلة لها خصوصيتها، وثانياً، الشكل الطبيعي أن تبادر الناس، أن تبادر هذه القوى المجتمعية في الإعلام والسياسة إلى إعادة ترتيب أوراقها، إعادة ترتيب أولوياتها. وأن تكون إذا لم تكن الشراكة متاحة الآن مع أدوات الدولة أو سلطة الدولة، فلتكن في الجهة المقابلة. لكن تقديري أنها تحتاج بعض الوقت، لأنه الأسباب الموضوعية لغياب هذه الكتل التي يفترض أن تكون صلب أو مقومات الحريات الإعلامية، إن واقع المعارضة بعد العام 2011 لم يكن خاضعاً بالمعنى الحقيقي لبنية المؤسسات. وإذا شاءت ووجدت مؤسسة، فهي تحكم جمهورها السوري المنتشر في أصقاع العالم، في كل دول العالم. فالآليات التي كانت سائدة خلال فترة المعارضة وإعلامها هي أقرب لمرحلة الفوضى وليس التنظيم، لأنه أنت لا تحكم في جغرافية محددة، أنت توجّه خطاباً، وردّ هذا الخطاب من الجمهور لا تخضع لأي قواعد.

الآن الفرصة الاستثنائية هي أنه أصبح للسوريين وطن وجغرافيا يمكن الالتزام بقواعدها وآلياتها، كما هو في بقية البلدان، بدءًا من الجوار السوري في الأردن أو الشمال التركي، وصولًا إلى دول العالم الآخر. فبتقديري أنه يجب أن نكون صريحين مع أنفسنا وتتحمل هذه القوى الجديدة مسؤولياتها وأولوياتها وواجباتها ووظيفتها، من خلال أولاً تنظيم صفوفها، ومن خلال أن تكون هي الرافع الحقيقي للحريات. ولا نعول وننتظر حتى تمنحنا السلطة الحريات على طبق من ذهب.

ما هي الأولويات العاجلة التي يجب على المؤسسات الإعلامية والجهات الفاعلة تحقيقها لضمان حرية الصحافة في سوريا الجديدة؟

أعتقد أن ترتيب هذه الأولويات سيكون مرهوناً بوجه السلطة القادمة. على الأقل خلال شهر آذار، سيتم إعلان تشكيل الحكومة، ومن المفترض أن يصدر عن هذا التشكيل لاحقاً – بالتوازي مع المؤتمر الوطني – البيان الدستوري. كما يُفترض أن يصدر معه بعض التعاميم أو القرارات التي تُحدد وتشرح وتؤطر مجموعة القوانين الناظمة للحياة السياسية والإعلامية. لأنه بدون هذا الجانب السياسي أولاً، لا يمكن للقوى السياسية أن تعمل.

بمعنى آخر، في الجانب الإعلامي، ما هي الأطر التي أعمل كصحفي بموجبها؟ هذه الأمور غير واضحة حالياً، لأنه ليس لدي أُطر ولا قوانين، والأمور متروكة الآن. لكن العاجل، بتقديري، هو أن تتولى القوى السياسية، ومن ضمنها القوى المدنية في الجانب الإعلامي، المسؤولية وأن تتهيأ لهذا الدور. يجب أن تكون هذه القوى جاهزة، وأن تكون قادرة على ضم كوادرها والاستعداد للمرحلة القادمة. إذا لم تكن المؤسسات الإعلامية متاحة حالياً، فعلى الأقل في المرحلة القادمة، يجب أن تكون هذه المؤسسات جاهزة إلى جانب المعارضة، وأن يكون لديها خطابها وبنودها التي ستطلبها من السلطة وتتناقش معها حولها، سواء ما يتعلق بالإعلام أو بحريات الصحافة أو بالقانون الإلكتروني. كل هذه الأشياء يجب أن تبادر الجهات المدنية والصحفيين والنخبة الثقافية إلى تهيئة أوراقها، حتى تكون جاهزة في المرحلة القادمة.

أعتقد أن أبرز تحدي حالياً هو تأخر السلطة السياسية في إعلان موقفها، على الأقل إعلامياً. ما هي الأجواء التي ينبغي على الصحافة أن تعمل بموجبها. هل تترك بهذا الشكل غير المنضبط، ولكن في حدود معقولة؟ أم نعود إلى حالة من التنظيم؟ لأن أهم ما في الإعلام – إذا جاز التعبير بين هلالين – هو “لعبة المُشاكسة” مع الحكومة، وكل مُشاكسة تستوجب أن يكون هناك قواعد ضبط بين الطرفين. للأسف، حتى الآن، غير واضح تماماً ما هي القواعد بين الطرفين. هل هو دستور 2012؟ هل هو قانون المطبوعات السوري؟ يبدو أن الأمور تُركت بهذا الشكل.

لذلك، أعتقد أن أول الأولويات التي يجب أن تكون حاضرة وهو أن تتهيأ الأطراف المدنية لتلعب هذا الدور، وأن تكون على الأقل جاهزة فيما إذا ذهبت السلطة السياسية إلى اعتماد قانون ما. يجب أن يكون لديها النموذج المقنع والحضور الجماهيري.

كيف يمكن للإعلام أن يساهم في بناء مستقبل سوريا الجديد؟ وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الحكومة لدعم هذا التوجه؟

جزء من وظيفة الإعلام دوماً أن يلعب دوراً محورياً في أي مجتمع، سواء في سوريا أو غيرها. وبالتأكيد، في الحالة السورية، هذا الدور مُضاعف بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. في المجتمعات المستقرة، عادةً ما يلعب الإعلام دوراً ضمن قواعد السوق، حيث يكون الدافع هو السبق الصحفي، الشهرة، التسريبات، والعناوين المغرية التي تجذب الجمهور وتزيد من انتشار المؤسسات الصحفية. هذه الممارسات تعتبر جزءاً من لعبة “العرض والطلب” في السوق الإعلامي.

لكن في الحالة السورية، الوضع مختلف تماماً. أحد التحديات الرئيسية هو أن الإعلام يجب أن يضع القيمة الأخلاقية في أولوية عمله – أي خبر قد يخلق بلبلة كبيرة في المجتمع السوري -، خاصةً أن بنية الدولة ما زالت هشة وغير مستقرة. لذلك، أعتقد أن سلم الأولويات في الحالة السورية يجب أن يختلف قليلاً، وأن يُراعى في الحالة السورية أن تكون الأولوية للبناء وليس فقط للممارسات الإعلامية التي نراها في المجتمعات المستقرة، والتي لديها باع طويل في تحمّل أعراف الصحافة الجديدة وحقها في السوق. في الحالة السورية، الوضع يحتاج من الإعلامي أن يرتب أولوياته بشكل مختلف، مع التركيز بشكل خاص على الأولويات الأخلاقية للمهنة. يجب أن يكون المقياس الأخلاقي والحالة الوطنية، أي: هل تتحمل الناس هذه الأنشطة الصحفية؟ التي عادةً ما تكون حق للصحفي.

بالتالي، لا بأس بتقديري من تعزيز هذه التوصيفات والبنية الأخلاقية في الصحافة، على الأقل مرحلياً، حتى يستقيم بنيان المجتمع السوري وتعود الصحافة إلى دورها الطبيعي.

ما تقييمك للخطوات التي اتخذتها الحكومة الجديدة فيما يتعلق بالإعلام؟ وكيف يمكن للإعلام أن يلعب دوراً رقابياً على أداء الحكومة في هذه المرحلة؟ وهل تتقبل الحكومة هذا الدور؟

بالنسبة للخطوات التي اتخذتها الحكومة، حتى الآن لم تتخذ خطوات حقيقية. ما نراه هو الطبيعي. بعد تحرير دمشق، حيث أن دمشق بأهميتها، التي تعتبر مأساة القرن، نحن أمام مشهد بالغ الأهمية من الطبيعي أن يستقطب كل الإعلام العالمي والمؤسسات الإعلامية. أعتقد أن الإدارة المؤقتة ربما سهلت – إذا جاز التعبير – أو تعاطت مع الأمر بإيجابية، لأنها تريد إيصال رسالة مفادها أن هذه المرحلة تختلف عن مرحلة الأسد، التي كانت تتطلب الموافقات الأمنية وزيارات الفروع الأمنية، وكانت هناك محدودية في قدرة الصحف والمؤسسات على العمل بحرية.

الإدارة الجديدة قدمت رسالة سياسية أكثر من كونها إعلامية، لأن الناس في الإعلام تنتظر بنية إعلامية وقانونية واضحة حتى تستطيع أن تستمر، وحتى تعرف ما هي الأرضية الصلبة التي تقف عليها. هذا الأمر ضروري حتى تستطيع أن تلعب دورها الرقابي على الإعلام، وهذا هو المطلوب. لكن موقف الحكومة حتى الآن – وهذا نعزوه للظرف الذي تمر به الإدارة الجديدة، وهي مرحلة انتقالية أو حتى ما قبل الانتقالية – لأنها استلمت بلداً ينوء من الخراب في كل هياكله، بما فيها الهياكل الإعلامية.

سواء قبلت الحكومة الدور الرقابي للإعلام أم لم تقبله، فاعتقد أنه إذا استطاعت القوى الإعلامية والمنظمات الصحفية وكتلة الصحفيين والمثقفين أن تكون جاهزة ومنظمة لهذا الدور، فسيقوم الإعلام بأداء دوره الرقابي بشكل طبيعي، ولكن ضمن الأطر والشروط التي سيتم الاتفاق عليها في المرحلة القادمة.

ما هي أبرز الأولويات التي يجب على الإعلاميين السوريين التركيز عليها خلال الفترة الانتقالية؟

فيما يتعلق بالأولويات، أعتقد أنه من الصعب أن أكون جزءاً من الحالة الصحفية وفي نفس الوقت أطالب بإنهاء حالة الفردية وتعزيز القيم الأخلاقية لمهنة الصحافة. أفهم أن الأمر ليس سهلاً، لأن الصحفي يعيش كما الشاعر ليقول فيها للناس: “ها أنا هنا كصحفي، لدي سبق، لدي تحقيق، لدي… إلخ”. لكن الحالة السورية، بما أنها حالة وطنية استثنائية، تستوجب سلم من الأولويات مختلفة قليلاً.

بدلاً من أن تكون الأولوية لدي كصحفي أو كمؤسسة إعلامية هي السبق الصحفي، يجب أن تكون الأولوية للقيمة الأخلاقية والمسؤولية الوطنية (كما أسلفت). هذا لا يعني إنهاء دوري كصحفي، بل يعني الانتقال من الحالة الفردية إلى حالة من المشاورة والتعاون مع زملائي في العمل ومع المؤسسة الإعلامية التي أنتمي إليها، ومؤسستي لديها تشبيك مع مؤسسات أخرى، وبالتالي نعيد ترتيب الأولويات بما يتناسب مع خصوصية الحالة السورية.

وهذا يعزز الدور المؤسساتي للإعلام ويعطي صورة أفضل من الصورة السابقة. قبل 13 سنة، كنا نعيش حالة فردية، بل وحتى حالة فصائلية في الإعلام. الآن، نحن أمام حالة وطنية تستوجب الدقة والتعاون مع الآخرين أكثر من أي وقت مضى. هذه الحالة تستوجب التركيز على القيم العليا، وأولها القيمة الوطنية وقيمة المواطنة والحريات. كل هذا يتطلب تخفيف حالة التفرد والذاتية التي نمارسها عادةً كصحفيين.

ما هو رأيك بالأفكار التي تدعو لإلغاء وزارة الإعلام – أسوةً بكثير من دول العالم – كخطوة لدعم حرية الصحافة؟ وهل تعتقد أن هناك بدائل أفضل لتنظيم القطاع الإعلامي؟

في قضية الدعوة لإلغاء وزارة الإعلام، أعتقد أن هذا الطرح مبكرٌ جداً، خصوصاً في الحالة السورية. صعوبة الأسئلة المطروحة اليوم، سواء كانت إعلامية أو سياسية أو دينية، وكل البرامج المقدمة، لا تراعي بشكل كافٍ الحالة الاستثنائية التي تمر بها سوريا. إذا نظرنا إلى دولة مستقرة مثل المملكة الأردنية، يمكن أن يثار نقاش حول إلغاء وزارة الإعلام، لأن هناك بنى مدنية ومؤسساتية قائمة منذ أكثر من خمسين سنة. لكن في الحالة السورية، الوضع مختلف تماماً.

يجب أن نفهم خصوصية الحالة السورية البالغة الحساسية. القوى القادمة من المعارضة، والتي ستُدير البلد بشكل أو بآخر، لم تكن منضبطة خلال السنوات الـ13 الماضية. كانت هذه القوى مشتتة. لكن لأول مرة الجغرافيا السورية ستتعامل معها ضمن أطر قانونية. أنا في فرنسا، ملتزم بقانون الإعلام الفرنسي، لكني لست ملتزماً بالقانون التركي. الآن، في سوريا، أصبحت ملتزماً بالحالة السورية ككل. لأول مرة، تتاح فرصة لأن يكون المرسل والمستقبل في جغرافية واحدة تحكمها القواعد نفسها. هذا يحتاج إلى تأطير وإنهاء المرحلة السابقة التي كانت قائمة على الفوضى وعدم الانضباط.

ليس هناك قانون يحكم العلاقة بين تلفزيون سوريا في تركيا (الذي يعمل في المنطقة الحرة ولا يخضع للقوانين التركية) وبين جمهوره في أمريكا أو لبنان أو الأردن أو حتى داخل سوريا. الآن، لأول مرة، يفترض أن تتاح لعبة إعلامية مهمة جداً، حيث يلتزم كل من المرسل والمستقبل بقواعد تندرج تحت قانون الإعلام السوري والقانون العام السوري بضوابطه وقواعده وتعريفاته. هذا يحتاج إلى جهد كبير حتى نعتاد عليه.

في المراحل القادمة، بعد استقرار الدولة، إذا رأى أهل التشريع أن البلد لم تعد بحاجة إلى وزارة الإعلام، فليكن ذلك. أنا مع دعاة توسيع مجال الحرية بلا حدود أمام المؤسسات الإعلامية، لكن في الحالة السورية، أقف وأشعر بالخوف. هذه الحالة هي أكثر الحالات التي تستوجب الضبط والقوننة، وليس العكس.

إقرأ أيضاً: الصحفي علي عيد في لقاء مع درعا 24: علينا أن نستمع إلى صرخات الناس المخنوقة دون أن نُورطهم في جريمة “المساس بهيبة الدولة”

كيف ترى الخطوات التي تُتخذ اليوم التي تهدف لتوحيد الإعلاميين والصحفيين في عدة مناطق في سوريا وتأسيس اتحادات؟ هل ترى أن هذا يساهم في توحيد الخطاب الإعلامي وتنظيم العمل، أم أنها قد تؤدي إلى تهديد حرية التعبير وطمس التنوع الإعلامي؟

مسألة توحيد الإعلاميين وتأسيس اتحادات، الأصل في ذلك أنه مباح والضروري والمهم، لكنني شخصياً متخوف من جملة المشهد الإعلامي ومعطيات المشهد السياسي. عادةً، في بلاد الشتات، اعتدنا أن أي مجموعة تعمل اتحاداً، وهذا الاتحاد يشابه – للأسف – الحالة السياسية أو أي حالة أخرى من التجمعات السورية. السبب في ذلك هو إنّه لم يكن لدينا “بيت” بالمعنى الحقيقي، فكنا نلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي والتعميمات المفتوحة، مع غياب القواعد الحقيقية.

الخوف الآن هو من الاستسهال في المشهد السوري. بمعنى أنه غداً أو بعده، سنرى اتحادات صحفية في كل محافظة، وفي العاصمة دمشق، ستظهر اتحادات بأسماء متعددة. المشكلة أن هذه الاتحادات، للأسف، هي استمرار للحالة السابقة، واستمرار للحالة التي كانت قائمة في الشتات. 

وهنا لا أريد أن يفهم كلامي كهجوم على أحد من زملائنا، لكني أرى أن الإشكالية الحقيقية هي أننا نحاول صناعة “نمور من ورق” مجدداً، في حين أن الفرصة اليوم متاحة في دمشق لصناعة “نمور حقيقية”.

بمعنى أن الراغبين في العمل السياسي والإعلامي، إصبح لدينا الآن وطن وبيت يمكننا اللقاء فيه، ولم نعد بحاجة إلى الأساليب القديمة التي تركت آثاراً سلبية. هذه فرصة حقيقية لبناء اتحادات قائمة على قواعد واضحة وفهم مشترك للآليات والدوافع.

النقطة الأهم هي أننا الآن أمام بيت، لكن الواجبات كثيرة. يجب أن نبدأ بتأثيث هذا البيت، تجميله، وتقديمه للجمهور. هل كل من في هذا البيت متوافق معك على الرؤية والقواعد والشروط والأولويات؟ من فهمي، أرى أن إشكالية الاتحادات التي تعلن عن نفسها بشكل متسارع تشبه إلى حد كبير القوى السياسية. ربما هذا بسبب خصوصية المرحلة، أو الظروف الراهنة، أو الرغبة في المشاركة، وهذا كله صحيح. لكن شخصياً، أميل إلى أن قواعد وآليات تأسيس الاتحادات والروابط يجب أن تكون مختلفة عما يجري على أرض الواقع. لأنه لأول مرة سنكون أمام بُنى ستعتمد على ذاتها، وليس على دعم أو رعاية من هنا أو من هناك. هذا البيت يجب أن يعتمد على اشتراكات الأعضاء. هل الأعضاء في الحالة السورية جاهزون لهذا؟ أتمنى ذلك. هل الأعضاء سيكونون في حالة من الانضباط المؤسسي؟ أتمنى ذلك أيضاً.

بمعنى أن الاتحاد بهيكليته سيكون صاحب الموقف، وليس كل عضو بمفرده. الاتحاد سيكون ممثلاً للأعضاء، وهذه الجزئية لم نعتد عليها خلال السنوات الـ13 الماضية، حيث كانت الاتحادات التي نشأت عبارة عن صفحات تواصل اجتماعي، وبالتالي كانت أدوات ضبط الأعضاء غير ممكنة، فكيف تضبط أنا في فرنسا والآخر في تركيا والثالث في أمريكا والرابع في سوريا. الفرصة الآن هي أن أصبح هناك بيت يجمع الجميع، وهي فرصة تاريخية. لكن يجب أن نبادر كصحفيين إلى استثمار أقصى طاقاتنا في هذا الجانب.

ما أبرز التحديات التي تواجه الصحفيين في درعا في المرحلة الحالية، وكيف يمكن للإعلام المحلي أن يساهم في إيصال صوت المجتمعات المحلية للحكومة وللعالم؟ وما هو مستقبل العمل الصحفي في درعا وسوريا؟

فيما يتعلق بوضع درعا، هي جزء من الكل السوري. إذا استطاعت درعا أن تواكب الحالة الإعلامية السورية العامة، فهذا أمر جيد ويُحسب لها. بالتأكيد، أي إعلام محلي يساهم في وصول صوت جمهوره أو المجتمع المحلي الذي يحاول أن يكون صوته.

التحديات في درعا تشبه التحديات في المشهد الإعلامي السوري ككل. مرة أخرى، نحن أمام لحظة فارقة: أصبح لديك بيت بعد أن كان أعضاء هذا البيت، من الأب إلى الأبناء، مشتتين في كل أنحاء العالم. ولأول مرة، يستوجب بناء هذا البيت حضور الجميع ومشاركة الجميع. لكن يبدو أن ثمة ظروفاً أو معيقات ستكون عائقاً أمام اكتمال هذه العائلة. هذه المشكلة تنطبق على الحالة الصحفية في درعا، كما تنطبق على الحالة الصحفية في عموم سوريا.

بمعنى، ماذا عن الزملاء الآخرين؟ هل سيعودون؟ هذا غير واضح. وماذا عن المؤسسات القائمة وكوادرها؟ ما هي الخيارات ؟ هذا أيضاً غير واضح. وماذا عن النشطاء الذين هم جزء كبير من المشهد الإعلامي السوري اليوم؟ حملوا أرواحهم على أيديهم وضحوا، ولدينا تضحيات جسيمة، نقف أمامها بإجلال. لكنه سؤال مرّ يحتاج إلى وضوح وإجابة: ماذا تفعل أمام كتلة لا يستهان بها من الشباب من النشطاء الإعلاميين؟ ما هي الخيارات؟ هل تقول لهم “كفيتم ووفيتم”؟ بالتأكيد، هذا لا يستقيم. يجب أن نستفيد من تجربتهم، أولاً هذا حقهم أن يكونوا جزءاً من المشهد القادم، لكن ضمن أي شروط؟ ضمن أي معطيات؟

كل هذه الأسئلة تشكل تحديات كبيرة تحتاج إلى إجابات. وأنا بتقديري أن الأهم هو أن تكون هذه المجموعة أو هؤلاء الصحفيين هم من يثيروا هذه الأسئلة، وهم من يعبر عن أدواتهم، ويعرفوا عن هويتهم. كل هذه الأسئلة يفترض أن يصوغوها هم، بمساعدة الآخرين، بمساعدة زملائهم السابقين، وبالتشبيك بين بعضهم. لكن عليهم هم أن يثيروا هذه الأسئلة.

ما هي رسالة محمد العويد للصحفيين في درعا؟ وكيف يمكنهم أن يكونوا أكثر فاعلية في المشهد؟

أعتقد أن المهم جداً هو أن يعمل كل ناشط، كل مواطن صحفي، وكل مهتم بالشأن الإعلامي في المحافظة، ويبادر بالتشبيك مع الآخرين من زملائه. المهم الآن هو أن يفهم الجميع أن الأصوات الفردية لن يكون لها جدوى في المرحلة القادمة، حتى لو كان مشهور أو ذو باع طويل لن يحقق شيئاً، لأن الأصوات الفردية لن تكون ذات جدوى أمام هذا المشهد بالغ التطور والمتسارع، والذي يعاد بناؤه في سوريا.

المشروع بهذا الحجم، على مستوى الوطن السوري، يحتاج بالمقابل إلى أن يكون هناك روافد أو أجنحة، وليس حالات فردية. أنا من دعاة الحالة الجماعية في هذا المعنى. للصحفيين في درعا، وللمهتمين بالشأن الإعلامي، أن تكون الدعوة دائمة إلى لقاءات دائمة على مدار الشهر أو الأسبوع، يتم فيها طرح هذه الأسئلة، تبدأ من الهوية: من نحن؟ ماذا ينتظرنا؟ ما هي حقوقنا؟ كيف نعمل؟ ما هي مصلحتنا؟ أن نشبك مع بعضنا البعض؟ هل نعمل كأفراد؟ كل هذه الأسئلة واستحقاقاتها مهمة، وأعتقد أنه يجب أن يكون هناك محاولات للحصول على أجوبة لها، وليس أن تبقى مجرد أسئلة في الفضاء المفتوح. لأن التحديات كبيرة، والحقوق كثيرة. بدلاً من الحالة الفردية، التي من مشاكلها أنها تقبل أحياناً باللا شيء (مثلاً، أن تكون مراسلاً في درعا لمؤسسة في دمشق وأن يُقبل)، لكن بالحالة الجمعية أن يسأل ويكون خلفه مؤسسة أو مجموعة تسأل ما هي حقوقه.

يجب أن نعي أن المرحلة القادمة، حتى في حالة المواطن الصحفي، لم يعد من المقبول التطوع. العمل الإعلامي يجب أن ينتهي بهذه الطريقة. العمل الإعلامي هو عمل يومي، مضني، إشكالي، بجوانبه المتعددة قانوني، وأحياناً يضعك في مواجهة السلطة أو الشارع. كل هذه الأشياء يجب أن يكون ما يحميها، بدءاً من الجانب التعويض المالي وصولاً إلى الحقوق داخل المؤسسة التي تعمل بها.

لذلك، أنا أميل إلى ضرورة الحالة الجمعية بين الناس والتكاتف فيما بينها، وإثارة كل هذه الأسئلة. في المشهد السابق، هناك متطوعون، وشهدنا مئات وعشرات الشهداء الذين لا نعرف الآن من هي المؤسسات أو الجهات التي ستعنى بهم أو بعوائلهم أو بأبنائهم. مرحلة الاستقرار في سوريا اليوم تختلف. إذا كنت مواطناً صحفياً، يجب أن تسأل أولاً: ما هي حقوقي لدى المؤسسة التي أتعامل معها أو التي أتطوع لأجلها؟ هذا أبسط الأسئلة. لم يعد المشهد كما في السابق، حيث كنا نعتمد على العفوية أو النخوة. الآن، انتقلنا إلى مرحلة المأسسة. المأسسة تختلف، لأنك تتعامل مع مؤسسة، وأولى الأشياء التي يجب أن تُطرح هي: ما هي حقوقي؟ ما هي واجباتي؟ ماذا عليّ؟ وماذا لكم؟ هذه الأسئلة تريح الطرفين وتساعد على بناء علاقة مستقرة وطويلة الأمد.

من وجهة نظري، يفترض أن يتعاون الجميع في هذه المرحلة. هذه واحدة من التحديات، وربما أهمها.

الرابط: https://daraa24.org/?p=47900

موضوعات ذات صلة