المخدرات في الجنوب السوري الأدوار الإقليمية والدولية
طرق تهريب المخدرات

عبثتْ آفة المخدرات في المجتمع الجنوب السوري، وعاثت فيه فساداً، متسببةً في مزيد من هدر الدماء وضياع الشباب، وتدهور الاقتصاد، وارتفاع وتيرة العنف المجتمعي والأسري. كذلك عبرتْ الحدود إلى الجار الأردني الأقرب ومنه إلى دول الخليج العربي وإلى دولٍ أخرى. استدعى كلّ هذا تحرّكاً واسع النطاق إلّا أنّه بعد سنوات عجاف بقى هذا التحرّك محاطاً بالكثير من إشارات الاستفهام.

تحدثت شبكة درعا 24 إلى المحامي أحمد الزعبي حول تطور تجارة وتهريب المخدرات عبر الجنوب السوري، فقال: “كنا نرصد قبل العام 2018 ترويجاً وتجارة محدودة للمواد المخدرة في الجنوب عموماً وفي درعا خصوصاً، حيث كانت تقتصر على بعض الأدوية كالترامادول بالإضافة إلى الحشيش، وأنواع مخدرة يتم تهريبها إلى المحافظة من المناطق المجاورة الخاضعة لسيطرة النظام. أما التهريب عبر الحدود فلم يكن موجوداً بسبب إغلاق المعبر مع الأردن (نصيب/جابر)، حيث قام الجانب الأردني بإغلاقه ورفض إعادة فتحه حتى عودة سيطرة النظام على الجنوب”.

يتابع الزعبي: “بعد العام 2018، تغيرت الأمور تغيّراً دراماتيكياً، حيث أدى انتشار الميليشيات الأجنبية، ولا سيما تلك المرتبطة بحزب الله اللبناني وإيران وفروع الأمن، إلى نشاط كبير في تصنيع وترويج وتهريب المواد المخدرة. وقد اتهم الجانب الأردني أكثر من مرة الجيش السوري وميليشيات تابعة له بتسهيل تهريب المخدرات باتجاه أراضيه”.

خلال السنوات الأخيرة، أعلنت العديد من الدول في مختلف أنحاء العالم إحباط محاولات تهريب مواد مخدرة مصدرها سوريا، حيث كانت مُعبَّأة بعلب تحمل ماركات منتجات سورية (مثل علب حليب الأطفال، والمتة، والكرتون…). وكان أكبرها في إيطاليا في العام 2020، حيث تم ضبط 14 طناً من “الأمفيتامين” المخدِّر، والتي تُعتبر الشحنة الأكبر عالمياً.

قالت حينها مصادر إعلامية عربية وغربية إن من يقف وراءها كان أحد أصحاب رؤوس الأموال الذي ينحدر من عائلة الأسد. وسبق ذلك في السعودية، حيث تم ضبط عملية تهريب 19 مليون قرص مخدر داخل علب متة من نوع “خارطة” التي تُنتجها شركة كبور الدولية، وكذلك في مصر تم إحباط محاولة تهريب لأربعة أطنان من الحشيش ضمن علب حليب لشركة “ميلك مان”، وهي واحدة من شركات أقارب رأس السلطة في سوريا.

الدور الأردني

 تُصدر القوات المسلحة الأردنية بيانات بين الحين والآخر تفيد بقيامها بعمليات إحباط تهريب الكبتاغون من سوريا إلى الأردن. تتم عمليات التهريب هذه بطرق تقليدية، بالإضافة إلى استخدام طائرات الدرون في بعض الأحيان، حيث أكد الجانب الأردني إسقاط ثلاث طائرات مسيرة خلال شهر واحد فقط، كانت محملة بأسلحة ومواد مخدرة.

وقال وزير الخارجية الأردني في تصريحات سابقة لشبكة CNN: “من الضروري إنهاء الأزمة السورية لأننا عانينا من عواقبها، كما عانى الشعب السوري. ولا يمكننا التعايش مع الوضع الراهن بعد الآن، ونحن لا نأخذ تهديدات تهريب المخدرات باستخفاف، وإذا كنا لا نرى تدابير فعالة لكبح جماح هذا التهديد، سنفعل كل ما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعملية عسكرية داخل سوريا للقضاء على هذا التهديد الخطير”.

وضمن مساعي الأردن لكبح تهريب المخدرات عبر حدودها، نظم اجتماعاً ضم رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة من الجانب الأردني، ووزير الدفاع ومدير المخابرات العامة من الجانب السوري. وعقدت اللجنة الأردنية السورية المشتركة اجتماعها الأول للتعاون في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى الأردن، وبحث الاجتماع التعاون في مواجهة خطر المخدرات ومصادر إنتاجه وتهريبه، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات التهريب عبر الحدود إلى الأردن، ومواجهة هذا الخطر المتصاعد على المنطقة بأكملها، بحسب بيان أصدرته وزارة الخارجية الأردنية.

يرى أحد الضباط السوريين المنشقين أن جميع ما تبذله الأردن لحماية حدودها ومنع وصول المخدرات لأراضيها عبر بوابة الجنوب السوري، عديمة الفائدة، ويؤكد أن الدليل على ذلك ببساطة أنها لم تنهِ، بل لم تحدّ من عمليات التهريب، فمن المعروف أنه مقابل كل عملية تهريب يتم إحباطها، هناك العديد من العمليات التي ينجح المهربون فيها بإدخال شحنات من المخدرات إلى الأردن، ومن ثم إلى دول الخليج. وبرأيه فإن هذا الأمر يؤكده إحباط السعودية للعديد من عمليات التهريب عبر حدودها مع الأردن”. 

ويقول هذا الضابط في حديثه لشبكة درعا 24: “هناك الكثير من علامات الاستفهام حول طريقة المعالجة الأردنية لهذه القضية، والتي تمس بقوة بأمنها الوطني، حيث من الواضح أن الأردن يضرب ذيل الأفعى ويترك الرأس”.

 يوضح الناشط السياسي مروان العلي (اسم مستعار) في حديثه للشبكة: “الأردن له مقاربة متعددة الأوجه في تصديه لتهريب المخدرات إليه من الجنوب السوري. فهو يسخّر ماكينته العسكرية في الشمال، و يستنفر جيشه لضبط الحدود، ويعلن بشكل شبه يومي عن إفشال عمليات تهريب عبر حدوده، ويقصف المناطق السورية القريبة من حدوده. ومن جانب آخر، يقوم من خلال أذرعه الأمنية، التي تنشط بشكل سري في الجنوب السوري عن طريق وكلاء محليين، بعمليات تصفية لتجّار المخدرات في الجنوب السوري عبر الاغتيالات. ومن أوجه مقاربته أيضاً النشاط الدبلوماسي المتمثل بحشد الدعم الدولي والإقليمي له في مواجهة المخدرات، والتعاون مع الجانب السوري ودول الإقليم للتصدي المشترك لتهريب المخدرات إليه”.

إقرأ أيضاً: المخدرات في الجنوب السوري (1/ 3): أزمة تستفحل وتؤثر على شتى مناحي الحياة

قاتل بلا سلاح، رحلة المخدرات في الجنوب السوري
المخدرات في الجنوب السوري (3/3): الأدوار الإقليمية والدولية 4

دور دول الإقليم في مكافحة المخدرات

عُقد في 22 تموز/يوليو الماضي في العاصمة العراقية بغداد المؤتمر الدولي الثاني لمكافحة المخدرات تحت رعاية رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ووزير الداخلية عبد الأمير الشمري، بمشاركة تسع دول، بينها سوريا، وترأس وفدها وزير الداخلية محمد خالد الرحمون.

وأوضح القائم بأعمال السفارة العراقية في سوريا، ياسين شريف الحجيمي، لجريدة الوطن السورية شبه الرسمية، أنَّ المؤتمر ناقش قضايا طرق تهريب المخدرات في الدول المشاركة، ودعم الدول المتضررة منها ومساعدتها، إضافة إلى المناطق التي يتم فيها صناعة المخدرات مثل الكبتاغون وغيرها من الأنواع الأُخرى للمخدرات، والتنسيق لملاحقة عصابات التهريب في هذه الدول والطرق والمنافذ التي يسلكها تجار المخدرات.

شاركت في المؤتمر على المستوى الوزاري كل من سوريا، الأردن، السعودية، الكويت، إيران، تركيا، لبنان، ومصر.

عُقِد اجتماع مماثل في الأردن بتاريخ 18 فبراير الماضي، شارك فيه وزراء داخلية كل من الأردن وسوريا والعراق ولبنان لمناقشة مكافحة تهريب المخدرات.

يعلّق المحامي أحمد الزعبي حول هذه المؤتمرات منتقداً: “أولاً وجود النظام السوري وإيران في المؤتمر يذكّرنا بالمثل الشعبي ‘حاميها حراميها’. وثانياً، المطلوب من هذه الدول تجاه شعوبها، وليس تجاه الشعب السوري، أن تعالج المشكلة وتجفف مصادر المخدرات، لا أن يعقد ممثلوها اجتماعات، ولا أن يطلقوا تصريحات رنانة. جميع الصادرات السوريّة إلى الخليج أصبحت بنكهة الكبتاغون، وهذا فيه تهديد لأمن الخليج القومي”.

إقرأ أيضاً: المخدرات في الجنوب السوري 2/3: غياب الحلول وتفاقم التحديات

الدور الدولي في مكافحة المخدرات

لم يطلق الموقف الدولي إنذار الخطر فيما يخص قضية المخدرات إلا في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد أن تمكنت المخدرات من المنطقة كاملة. فبدأت التحذيرات من تداعيات المخدرات على سوريا والمنطقة كاملة. واتهم المجتمع الدولي بشكل واضح السلطات السورية بالضلوع في هذه التجارة وتسهيل انتشارها في هذه المنطقة، كونها تجارة رابحة تعوض العجز الاقتصادي في سوريا، بعد العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة عليها.

وأفردت صحيفة نيويورك تايمز عام 2021 تقريراً أوضحت فيه بأن مقربين من النظام في سوريا، بالإضافة إلى رجال أعمال، هم من يديرون تجارة وتصنيع مادة الكبتاغون في البلاد على أنقاض عشر سنوات من الحرب، وأن قيمة تجارة المخدرات، التي تقدر بالمليارات، تفوق قيمة صادرات سوريا، وفقاً لقاعدة بيانات جمعتها الصحيفة.

سوريا بلد عبور المخدرات بامتياز، بحسب مسؤول، ماذا عن الجنوب؟
المخدرات في الجنوب السوري (3/3): الأدوار الإقليمية والدولية 5

كذلك فرضت الولايات المتحدة في عام 2022 قانوناً ينصّ على أنّ تجارة الكبتاغون المرتبطة بالنظام في سوريا تشكل تهديداً أمنياً عابراً للحدود الوطنية، وعلى الولايات المتحدة، وبالتالي هناك ضرورة لتطوير استراتيجية لتفكيك شبكات إنتاج المخدرات وتهريبها المرتبطة بالنظام.

وطالب وزراء الدفاع والخارجية والخزانة الأمريكية، ومدير إدارة مكافحة المخدرات، ومدير المخابرات الوطنية، بتزويد لجان الكونغرس المهتمة، في موعد لا يتجاوز 180 يوماً، باستراتيجية مكتوبة لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بالنظام في سوريا. تضمنت هذه الاستراتيجية تعطيل الشبكات التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر البنية التحتية للمخدرات.

فيما فرض الاتحاد الأوروبي، خلال العام 2023، عقوبات طالت 25 شخصية و8 كيانات مقربة من السلطات السورية، لتقييد تجارة المخدرات والترويج لها، والتي تُعتبر مصدر دخل أساسي لهم. فرضت كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين عن تجارة الكبتاجون في سوريا في شهر مارس / آذار، وكان من بين الشخصيات قياديان محليان اثنان من محافظة درعا هما “عماد أبو زريق” و”مصطفى المسالمة” الملقب بالكسم، الذي تم اغتياله العام الماضي، وثالث من محافظة السويداء هو “راجي فلحوط“. القادة المحليين الثلاثة يعملون لصالح جهاز الأمن العسكري.

كما أعلن مجلس النواب الأميركي الموافقة على قرار قانون ميزانية وزارة الدفاع الأميركية للسنة المالية القادمة 2023، بمبلغ 858 مليار دولار، يتضمن مشروعًا لتفكيك إنتاج النظام السوري لمخدر الكبتاجون (قانون الكبتاجون). وينصّ القانون على أن تجارة المخدرات المرتبطة بالنظام في سوريا تُعتبر “تهديدًا أمنيًا عابرًا”، ويطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يومًا، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سوريا والدول المجاورة.

أدوار أردنية وإقليمية ودولية، ومؤتمرات وقرارات وقوانين عديدة، إلّا أنّ الكبتاجون السوريّ ما زال يسرح ويمرح ويجتاز حوران ليصل إلى الأردن وما وراء الأردن. وتبقى الجهود المبذولة تعالج أعراض المرض لا مسبباته، والنتيجة: كارثة مستمرة وتتفشى في جسد الإقليم كالسرطان.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=44153

موضوعات ذات صلة