مركب الـ 750 مهاجراً: بشهادات من استطاعوا النجاة
 مركب الـ 750 مهاجراً: بشهادات من استطاعوا النجاة: واحدة من أسوأ حوادث غرق المهاجرين في البحر المتوسط (رويترز)

غرق في 14 حزيران الماضي مركب للمهاجرين قبالة السواحل اليونانية، كان يحمل على متنه 750 مهاجراً، منهم قرابة 113 من محافظة درعا، وقد نجا من جميع ركاب القارب فقط 104 أشخاص، بينهم 39 من أبناء درعا، وأما الضحايا والمفقودون من درعا فقد بلغ عددهم 74 شخصاً. (هذا ما استطاعت درعا 24 توثيقه من الناجين والمفقودين بالاسم) فيما تم انتشال 82 جثة، لم يتم التعرف عليها حتى اليوم.

تعيد هذه المأساة وتطرح عدّة أسئلة: ما الذي دفع هؤلاء الشباب من أبناء محافظة درعا إلى خوض البحر، وتعريض أنفسهم لهذا الخطر، وما التكاليف المادية التي يدفعونها لهذه الهجرات، وكيف كان الوضع على متن القارب قبل غرقه، وما هي ظروف غرقه، وما هو حال الناجين من أبناء المحافظة اليوم؟

في أعماق البحر

انطلق القارب من ليبيا في التاسع من حزيران، يحمل على متنه 750 مهاجراً، قاصداً إيطاليا، يؤكد محمد (اسم مستعار لشاب نجا من الغرق) من موقعه الحالي في اليونان في حديثه مع مراسل درعا 24: “صعدنا القارب بصعوبة كبيرة، وبعد إهانات وعنف وعمليات استغلال متنوعة، لدرجة أن عصابات التهريب منعتنا من حمل شيء معنا، نجح قليلون بحمل القليل من الطعام والشراب، وبدون دواليب أو أي وسائل حماية من الغرق، وقالوا لنا بأن ذلك غير ضروري، لأنه لن نبقى في البحر سوى يومين”.

بقي المركب في عرض البحر خمسة أيام، لأنه ومنذ اليوم الثاني ظل طريقه، يوضح محمد : “جاء ضياعنا في عرض البحر بالتزامن مع نفاذ الطعام والشراب، كان الناس غاضبون، وحالة عارمة من الفوضى بسبب شدة العطش والجوع، وطلبنا المساعدة من كل المراكب التي كانت تمر من جانبنا، بعضهم أعطانا مياه الشرب، لكن لم يستجب أحد وينقذنا، كان مركبنا قديماً، ويسير ببطء”.

يتابع:” اضطررنا لشرب مياه البحر، وفقد الكثيرون وعيهم، كانت الناس تتساقط كورق الشجر، كانت من أصعب اللحظات في حياتي”.

 يوضح: “بعد ذلك جاء مركب يوناني (من خفر السواحل) وعرفنا عندها أننا لسنا في المياه الإيطالية، بل باليونانية، وقرروا ربط قاربنا، وجرَّنا خلفه للوصول للشاطئ، لكنه جَرّنا بقوة كبيرة، مما أدى إلى انقلاب مركبنا، ثم بعد ذلك أرسل قارباً صغيراً، وأسرعت للصعود فيه، مئات الناس شاهدتهم يحاولون السباحة، ولكنهم لا يستطيعون، لأن منهم من لا يعرف السباحة، ومنهم المرهق بعد السفر لخمسة أيام بدون طعام أو شراب، شاهدت مئات الناس يصرخون بينهم نساء وأطفال، كانوا يستنجدون، بعدها شاهدت الجثث تطفو فوق الماء”.

غرق القارب : حكاية معاناة طويلة في درعا ختمها البحر في اليونان، أسماء الضحايا والناجين والمفقودين

بثت وكالة حرس الحدود والسواحل الأوروبية “فرونتكس” شريطاً مصوّراً يُظهر القارب وموقعه قبل غرقه، تم التقاطه بواسطة طائرة مسيرة “درون”. ويقول ناشطون ومنظمات عاملة في مجال البحث عن اللاجئين وإنقاذهم، إنهم أخبروا حرس السواحل اليوناني، وجهات أخرى بموقع المركب وعدد المهاجرين الذين يحملهم قبل غرقه بما يقرب من يوم كامل، لكن أي منهم لم يتدخل لإنقاذهم.

بينما تقول السلطات اليونانية، إن المركب رفض عروضاً متكررة لإنقاذه. السبب، بحسب المنظمات، هو رغبتهم في الابتعاد عن اليونان، بسبب المعاملة السيئة، وغير القانونية، التي يلقاها المهاجرون هناك. حيث تمتلك اليونان وخفر سواحلها تاريخاً في الترحيل القسري للمهاجرين خارج نطاق اختصاصها البحري. في حين المهاجرون أنفسهم يرفضون هذا الكلام، ويؤكدون أنهم طلبوا المساعدة من الجميع، لكن لم يستجب لهم أحد.

أنقذ حرس السواحل اليوناني 104 أشخاص فقط من أصل 750، بينهم رياض (اسم مستعار لشاب آخر نجا أيضاً)، وهو يُحمّل اليونان مسؤولية غرقهم، وعدم المسارعة بإنقاذهم، الأمر الذي أدى إلى موت المئات، يوضح أن نجاته كانت معجزة، حيث سبح كثيراً، حتى استطاع النجاة.

نُقِل الناجون إلى جزيرة يونانية، ثم نُقلوا منها لمخيم قرب أثينا عاصمة اليونان، هم يقيمون فيه حتى اليوم، وهم يرغبون في الذهاب لبلدان أوروبية أخرى، لأنهم لا يريدون البقاء في اليونان، لوجود أقارب لهم في دول أخرى، ولأن مستوى المعيشية وظروف اللجوء في دول أخرى أفضل منها.

ما قبل البحر (ليبيا)

كان جميع المهاجرين الذين استقلوا القارب، مكث معظمهم كمحتجزين لدى عصابات ومليشيات في ليبيا، يؤكد محمد أنه بقي في السجن قرابة الشهرين، إلى أن دفعت عائلته 4 آلاف دولار مقابل صعوده في مراكب الهجرة، وفق تعبيره: “عملياً الدفع يكون بمثابة إنقاذ حياة السجين، لأن عدم الدفع مقابل خروجه من السجن للبحر، هو ثمن حياته، لأن العصابات تهدد بقتله إذا لم تدفع العائلة”.

 يؤكد: “بعد التجربة في ليبيا قررت السفر في أي قارب يبحر باتجاه إيطاليا لأنني عانيت كثيراً هناك، فكرت في كثير من الأحيان في الرجوع إلى درعا”.

إقرأ أيضاً: مصرع مالا يقل عن 79 مهاجراً وما يُقارب الـ 500 في عداد المفقودين، بعد غرق مركب قرب السواحل اليونانية

ما حصل مع رياض يتشابه مع ما حصل مع محمد، أيضاً عند وصوله إلى ليبيا، وعلى الرغم من أن عائلته كانت قد أعطت مبلغ 4 آلاف دولار أمريكي أجرة رحلته باتجاه إيطاليا لشخص ثالث في درعا، إلا أنه بمجرد أن وطأت أقدامه الأراضي الليبية، تم اقتياده إلى جهة مجهولة واحتجازه، وفي أحد الأيام تم اقتياده إلى القارب ليذهب في هذه الرحلة: “كان ذلك بمثابة طوق نجاة بالنسبة لي”. وكان معه أصدقاء، هو لا يعرف عنهم شيء اليوم، يقول: “لقد ماتوا في البحر أكيد”.

حسب عشرات المهاجرين من أبناء محافظة درعا ممن أُفرج عنهم من السجون الليبية، فإن الطعام والشراب غاية في السوء، وهناك نقص في الطعام دائماً، ويعاني السجناء من الجوع الشديد، ويقوم السجانون باستغلال المعتقلين وابتزازهم.

إقرأ أيضاً: شهادات لمهاجرين من درعا في ليبيا حول سجون الهجرة وتجار البشر

ما قبل ليبيا والبحر (درعا)

يقول ناجٍ ثالث من حادثة غرق المركب في حديث مع مراسل درعا 24 بأنه غادر درعا لأنه مطلوب للأجهزة الأمنية، فضلاً عن ذلك هو مطلوب للخدمة العسكرية الإلزامية، والوضع في درعا لم يعد يُحتمل والقتل يومي، ولا يوجد أي استقرار، هذا الحال هو حال معظم من يهاجر من درعا.

 يقول: “لقد تحملت سنوات الحرب الطويلة، والوضع المعيشي السيء، لكن الوضع الآن في أسوأ أحواله، وقد اضطررت للسفر باتجاه ليبيا، لأن عائلتي كانت تخشى على حياتي. وكلفني ذلك كثيراً، دفعت للوصول إلى ليبيا قرابة 2000 دولار للسفر، فضلاً عن تكاليف استخراج جواز السفر، وهذه الأمور”.

إقرأ أيضاً: الواقع الأمني والمعيشي جعل الهجرة هاجس معظم الشباب في درعا

تعيش محافظة درعا حالة أمنية غير مستقرة منذ العام 2018 بعد سيطرة الجيش والأجهزة الأمنية عليها، باتفاق رعته روسيا، تشهد المنطقة منذ ذلك الحين حرب اغتيالات يومية، تستهدف جميع فئات المجتمع، وخاصة الشباب. وتوثق درعا 24 شهرياً في تقارير توثيق الانتهاكات في المحافظة ما لا يقل عن 30 شخص، وفي بعض الأحيان يتجاوز ذلك.

كما يعاني معظم الناس في محافظة درعا، وسوريا عامة في سبيل تأمين قوت يومهم، وبعضهم لا يستطيع ذلك، ويعيش أكثر من 90٪ من الشعب تحت خط الفقر، وفقاً لتقارير أممية. لكن كثيراً منهم يبيعون أغلى ممتلكاتهم بما فيها منازلهم، في سبيل إرسال أبنائهم خارج البلاد، للبحث عن مستقبل وحياة أفضل؛ أفضل من انخراطهم في الخدمة العسكرية، ومن الوضع الأمني والمعيشي.

ويؤكد الشاب رياض أيضاً، بأن ما دفعه لذلك هو الوضع الأمني والمعيشي، حيث كشاب ليس لديه أي أمل بالحياة في سوريا، “الأفق مسدود تماماً”. اضطره هذا الأفق في التفكير في البحث عن مستقبله في البلاد الأوروبية، فشق الهجرة طريقاً، سالكاً طرق التهريب للوصول إلى تركيا، ودفع الكثير من المال، ثم سافر جواً من تركيا إلى ليبيا، ليسقط في فخ السجون الليبية، ثم بعدها في قارب مُحمّل بأضعاف طاقته، وكاد أن يفقد حياته في هذا الطريق التي أُجبر على سلوكه، ولكن حظه كان سعيداً أنه نجا، تاركاً وراءه مئات الغرقى، يسطرون المأساة السورية مراتٍ أخرى.

للاستماع لشهادة أحد الناجين من المركب الذي غرق قرب السواحل اليونانية، ويحمل على متنه حوالي 750 شخصا:

الرابط: https://daraa24.org/?p=31744

Similar Posts