عمال بطريقهم للعمل في أحد المشاريع الزراعية في مدينة نوى في الريف الغربي
عمال بطريقهم للعمل في أحد المشاريع الزراعية في مدينة نوى في الريف الغربي

لا يملك ياسر خياراً سوى العمل في البساتين الزراعية، فهو مطلوب للخدمة العسكرية، مما يحدّ من حركته. ينحدر الشاب من بلدة غباغب في الريف الشمالي من محافظة درعا، وهو في العشرينيات من العمر، يتعرّض للاستغلال بشكل متكرّر. يقول: “أعمل في المشاريع لأنني لا أستطيع العمل في أي مجال آخر. أنا في خطر الاعتقال إذا ما غادرت المنطقة، فأنا مطلوب للجيش”. 

لا يُعتبر هذا الشاب وحده في هذا المأزق؛ العديد من الشباب في درعا يواجهون نفس المصير، حيث يجدون أنفسهم محصورين ضمن بقعة جغرافية لا يستطيعون مغادرتها، مُضطرين للعمل في كثير من الأحيان ضمن ظروف غير إنسانية بسبب الوضع الأمني المتدهور والحالة المعيشية التي تزداد سوءاً. 

إقرأ أيضاً: أتاوات على ري المزروعات في منطقة حوض اليرموك

شكاوى من استغلال متكرر  

تصل إلى شبكة درعا 24 العديد من الشكاوى حول الاستغلال والانتهاكات التي يتعرض لها العمال في المشاريع الزراعية. في حادثة وقعت منذ فترة وجيزة، تعرضت ورشة في الريف الشمالي، تضم أكثر من 30 عاملاً معظمهم من النساء، لاعتداء من أحد أبناء صاحب المشروع، والذي كان تحت تأثير المخدرات، وفق ما جاء في الشكوى. 

بدأ الشاب بالتحرش بالعمال، بعدما تجاهلوه، ضرب امرأة تبلغ من العمر حوالي 60 عاماً بصندوق بلاستيكي على رأسها، مما أدى إلى تصاعد الموقف وتطوره إلى شجار كبير، انتهى بإطلاق نار في الهواء، وتهديد العمال. 

حسب الشكاوى التي تصل للشبكة، فإن مثل هذه الحوادث تتكرر بين الحين والآخر، حيث يعاني بعض العمال من الإهانات اللفظية والجسدية. النساء بشكل خاصّ يتعرّضنَ لتحرشات متكررة – غالبيتها جنسية – من قِبل أصحاب المشاريع أو مشرفيّ العمل.

يروي عاملٌ حول تجربته ويأسه من تكرار الاستغلال، قائلاً: “قسماً بالله العالم من الفقر والجوع تشتغل بالفاعل (الزراعة)، لولا حاجة الناس ما بيلاقوا أصحاب المشاريع عامل واحد، البعض يفكر العامل عبد وليس له أهل أو أصل”. يؤكد هذا الشاب على خلافه على الأجرة مع المسؤولة عن الورشة، حيث كانت سيّدة. 

يوضح: “توجهت لمجموعة اللواء الثامن في المنطقة، دون نتيجة، لأنهم يضغطون عليها لفترة، بعدها تطرد العامل الذي توجه بالشكوى وتأتي بغيره، خاصّةً أنّ المحتاجين للعمل كُثر في هذه الأيام”. بهذا يؤكد أنه لا يوجد أي جهة تدافع عنهم ولا عن حقوقهم لذلك يبقوا في مهب الريح، ويتم استغلالهم مرّاتٍ ومرّات.

يزداد الأمر تعقيداً، مع العمال في المشاريع الزراعية النازحين من محافظة الحسكة الذين يسكنون على أطراف مدينة داعل، حيث نشرت شبكة درعا 24 سابقاً حول تهديدات من أفراد مجموعة مسلحة لهؤلاء العمال، لإجبارهم على تخفيض أجرتهم على الساعة من 7000 إلى 6000 ليرة. أكدت عدة مصادر من أبناء مدينة داعل للشبكة بأن بين المسلحين الذين هددوا العمال لديهم مشاريع زراعية أو لدى أقاربهم.

إقرأ أيضاً: مسلحون يهددون عمال في المشاريع الزراعية لخفض أجورهم

أجور غير عادلة 

يعتمد العديد من شباب ونساء وصبايا محافظة درعا، على العمل في المشاريع الزراعية كمصدر دخل رئيسي، في حين الأجور التي يتلقونها لا تتناسب مع الجهد المبذول. حسب مراسلي درعا 24 فإن أجور العمال في هذا المجال في الساعة تتراوح بين 6000 – 10000 ليرة سورية؛ هي تختلف من منطقة لأخرى. تعتبر مبالغ قليلة مقابل الجهود المبذولة وصعوبة العمل، خاصّةً في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة. 

يشير أحد العمال الذي تحدثت معهم درعا 24 إلى استغلالهم من قبل معلمين أو معلمات الورشات (المسؤولين عن ورشة العمال)، حيث يقول أحدهم: “في كثير من الأحيان يتقاضى معلم الورشة أجراً جيداً، ولكنه بالمقابل لا يطالب بزيادة أجور العمال ويحرمهم من حصتهم من الخضراوات”. 

تتحدث إحدى النساء العاملات في هذه المشاريع عن تجربتها المريرة: “أعمل في المشاريع الزراعية منذ خمس سنوات، وكل يوم أعود إلى المنزل متعبة ومحبطة. نواجه إهانات، وأحياناً نتعرض للتحرش. ليس لدينا خيار آخر؛ الفقر يدفعنا لقبول أي عمل يمكن أن يؤمن لنا لقمة العيش، واليوم لا نستطيع تأمينها”. 

تؤكد السيّدة التي فقدتْ زوجها؛ المُعيل الوحيد لأسرتها أثناء القصف على منطقتها في العام 2018، بأن أجرتها لا تعتبر عادلة ولا تكفي لتأمين ما يكفي لإطعام أطفالها الثلاث أو تأمين مستلزمات تعليمهم، في ظل الغلاء المعيشي الذي تمر به المنطقة، حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير؛ مسؤولون حكوميون يؤكدون أن الارتفاع بنسبة 200-250% من حيث المواد الغذائية وبقية مستلزمات الحياة. ووفقاً لتقارير أممية: بلغ التدهور الاقتصادي والمعيشي في سوريا أرقاماً غير مسبوقة؛ ازدادت معدلات الفقر في البلاد إلى أكثر من 90%، وذكرت الأمم المتحدة أن هناك أعداد كبيرة من الناس في سوريا بحاجة للمساعدة، للحصول على قوت يومها.

إقرأ أيضاً: تشغيل مساجين لدى اللجنة المركزية في المشاريع الزراعية، والسجن مدرسة!

ويبقى واقع العمال في المشاريع الزراعية في درعا دون حلول فعلية مع استمرار الاستغلال، ويُترك هؤلاء العمال في مواجهة يومية مع صعوبات الحياة، آملين في تحسين ظروفهم وتأمين حقوقهم، ليتمكنوا من العيش بكرامة في ظل أوضاع تزداد تعقيداً يوماً تلو آخر. 

الرابط: https://daraa24.org/?p=43180

Similar Posts