العنف ضد المرأة في حوران خاصة وسورية عامة
تتعرض بعض النساء في بعض مناطق حوران للتعنيف كغيرها في غالبية المناطق في سوريا والبلدان العربية، وإن كانت قد ازدادت بعد الحرب في سوريا، حيث استشرتْ هذه الظاهرة حتّى بات تأثيرها كبيراً على الصحة الجسدية والنفسية، وينتقل هذا إلى الأطفال والمجتمع بشكل عام، في ظل تعدّد أسباب هذا العنف وغياب الأدوار المطلوبة في التصدي له.
تقول السيّدة الستينيّة أم سامر من درعا البلد في حديثها مع مراسلة درعا 24: “أول مرة تعرضتُ فيها للضرب من زوجي كانت بعد زواجنا بشهرين فقط، كنت صغيرة، ولم أعرف كيف أتصرف، ظننتها لحظة غضب ولن تتكرر، لكنها أصبحتْ عادةً استمرت حتى بعد أن كبر أولادنا”.
تؤكد السيّدة بأن العنف موجود في محيطها وضمن معارفها، وقالت : “شو بدنا نعمل يا خالتي تجوزنا واحنا صغار وما كنا نعرف شي”.
بعض العادات والتقاليد من أسباب العنف
يُعرّف العنف ضد النّساء – حسب الجمعية العامة للأمم المتحدة – بأنّه: “أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة“.
تشرح الاستاذة ريم الخالد (مرشدة اجتماعية) للمراسلة، بأنّ هناك عادات وتقاليد وموروث شعبي تعتبر من أسباب نشوء ظاهرة العنف ضد المرأة في سوريا عموماً وفي حوران خصوصاً ولا سيما العنف الجسدي، والذي غالباً ما يبدأ قبل الزواج. والفتاة مع عائلتها، وقالت بأن “مجتمعنا ذكوري بامتياز”.
تتفق الدكتورة هدى علي الخبيرة الاجتماعية من ريف درعا مع هذا الرأي، وتقول: “حتى الأمثال الشعبية – التي تُعدّ مرآة لأي مجتمع – العديد منها تُميّز بين الجنسين، وتعكس موقفاً سلبيا تجاه النساء، ومن هذه الأمثال ’هم البنات للممات‘ و”أم الصبي صبولها وشو ما طلبت هيؤولها”.
تتابع الدكتورة بأن قناعة المجتمع بالأفكار التي تمثلها هذه الأمثال الشعبية قد يؤدي إلى ترسيخ ثقافة العنف، وعدم احترام الفتيات والنساء كأفراد لديهم كرامة وحقوق. وتوضح: “من الأسباب الأخرى، ضعف معرفة النساء في حوران بحقوقهن سبّب خللاً في الثقة بأنفسهن، هذا بالإضافة إلى ثقافة المجتمع في إلقاء اللوم على الضحية، ولعل أهم الأسباب في تكرار تعرّض المرأة للعنف يكمن في خوفها من ردّات الفعل الانتقامية، والخوف من الطلاق و الوصمة في المجتمع”.
إقرأ أيضاً: جرائم الشرف في درعا: لا الدين ولا القانون يردع العادات
استفحال ظاهرة العنف بعد 2011
بدوره المحامي أحمد الزعبي يبيّن بأن الأزمات التي تعيشها سوريا منذ سنوات، ساهمت في استفحال ظاهرة العنف ضد المرأة، مؤكداً ازدياد هذه الظاهرة في المنطقة بعد 2011. وقد نشأت أشكال جديدة من العنف لم تكن معهودة من قبل، كالإختفاء القسري والاعتقال والتعذيب، حيث تستخدم السلطة في سوريا العنف الجنسي كأحد أساليب التعذيب ضد النساء المعتقلات في سجون الأجهزة الأمنية.
في تقريرها السنوي رقم 12 الصادر في أواخر العام 2023 حول الانتهاكات بحق النساء، أوضحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن نحو 29 ألف أنثى قُتلنَ في سوريا منذ مارس / آذار 2011، 117 منهن بسبب التعذيب، فيما لا يزال 11 ألفاً و203 من النساء قيد الاعتقال أو الاحتجاز القسري. لافتاً إلى أن أغلبية الانتهاكات كانت على يد النظام في سوريا، حيث قتل النظام وحده قتل أكثر من 22 ألف امرأة، وفقاً للشبكة.
ويشير هذا التقرير إلى أن 11 ألفا و541 حادثة عنف جنسي استهدفت النساء في سوريا، وبأن المرأة في سوريا تعرضت لمجموعة واسعة من الانتهاكات الجسمية التي ارتكبت في حقها على مدى الـ 13 عاماً الماضية بشكل متكرر.
في حوارها مع مراسلة درعا 24 تقول الطبيبة ليلى المحمد: “بحكم عملي لاحظت ازدياد في حالات العنف الأسري ضد النساء و خاصة عنف الازواج في السنوات الخمسة الاخيرة، بالرغم أن الفترة ما قبل 2011 شهدت تراجع واضح في انتشار هذه الظاهرة”. وتعتقد – من خلال الحالات التي تعاملت معها في عيادتها – بأن سوء الأحوال الاقتصادية وانتشار البطالة لعبا دوراً كبيراً في عودة هذه الظاهرة إلى التفاقم مؤخراً.
أما أبو سالم وهو مختار إحدى قرى الريف الغربي، فيرى أن لانتشار تعاطي المخدرات بعد عام 2018، دوراً في العنف ضد النساء، يقول: “يتألم الإنسان عندما يرى الشباب والرجال تحت تأثير المخدرات يضربون زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم”.
وثقتْ درعا 24 العديد من الجرائم التي وقعت في محافظة درعا، نتيجة تعاطي المخدرات، حيث قتل رجل زوجته، وأطلق النار على شقيقه الذي حاول أن يتدخل، وقُتلت امرأة على يد زوجها، بواسطة أداةٍ حادة، وكسّر آخر عظام ابنته نتيجة الضرب المبرح، وقُتلتْ طفلة أخرى في عمر ثلاث سنوات بسبب الضرب الشديد، الذي تعرضت له من أبيها.
وكانت آخر جرائم العنف التي شهدتها محافظة درعا، هي مقتل الطفلة “فيروز عدنان البريقي، 11 عاماً” من بلدة المزيريب في الريف الغربي من محافظة درعا، بإطلاق نار، على يد عمها “علي البريقي”، بتاريخ 15 نيسان 2023، الّذي ضربها على رأسها، مما أدى لإصابتها بنزيف، فارقت الحياة على إثره، بحسب تقرير الطبيب الشرعي في مشفى درعا الوطني. وسبقها بأيام مقتل شابة من قرية العوجة، ولم تُعرف تفاصيل مقتلها.
إقرأ أيضاً: “جرائم الشرف” في سوريا موروث اجتماعي قديم
التشريعات والقوانين
يرى المحامي محمد أبازيد أن ضعف التشريعات والقوانين الخاصة بقضايا العنف ضد النساء، ساهمت في انتشار هذه الظاهرة، مؤكداً أنه من “أمن العقوبة أساء الأدب”، يقول: “لا يرتبط الأمر فقط بقصور القوانين بل أيضاً بعدم تطبيقها لعدم قيام السلطات بواجباتها ودورها”.
يتابع المحامي: “في كثير من الاحيان – طبعاً قبل العام 2011 – لا تتعامل مراكز الشرطة مع بلاغات التعنيف بجدية، باعتبارها مشاكل عائلية ولا شك أن هذا يمثّل فهماً خاطئاً للقانون، وجهلاً كبيراً في تطبيقه”. مؤكداً بأنه كمحامي لاحظ أن البلاغات المُقدّمة من النساء المعنفات قليلة في الأساس. ويرجع السبب الأساسي لتفاقم الظاهرة هو إحجام النساء عن الإبلاغ هم الخوف من العار، ومن ردة فعل المُعنّف ومن موقف المجتمع.
يوضح بأن من أسباب انخفاض عمليات التبليغ عن العنف، هو معالجة قضايا التعنيف بتدخل الوجهاء ورجال الدين دون اللجوء للقضاء، تلك المعالجات غير منصفة للضحية في الغالب.
دور رجال الدين والإعلام
أمّا الشيخ أبو إبراهيم إمام وخطيب أحد مساجد الريف الشرقي من درعا، فيؤكد أن الإسلام يرفض العنف ضد المرأة، ويمنعه بل بالعكس الإسلام يحض على احترام النساء ودورهن في المجتمع، ويقول: “نعاني من فهم خاطئ للدين عندما يتعلق الأمر بالنساء، وكذلك هناك تقصير من المشايخ في توعية المجتمع بخطورة الإساءة إلى المرأة الانتقاص من حقوقها”.
لا يعتبر الموقف الإعلامي بأفضل حالاً من غيره، حيث يوضح الصحفي ع. العاسمي بأنّ دور الصحافة لا تهتم في الغالب بقضايا المرأة في المنطقة الجنوبية. يؤكد: “الإعلام بواد وقضايا المرأة بوادٍ آخر، الإعلام الرسمي مشغول بأجندات السلطة ومنفصل عن المجتمع وقضاياه واهتماماته، ناهيك عن كونه لا يحظى غالباً بمتابعة من جمهور واسع في الجنوب السوري، أمّا الإعلام المستقل ووسائل التواصل الاجتماعي فيتم التركيز على القضايا الأمنية والمعيشية، ولا يتم إيلاء القضايا الاجتماعية وقضايا النساء الاهتمام الذي يتناسب مع خطورة وأهمية هذه القضايا”.
غياب للمؤسسات والمنظمات أيضاً
تحدثت الشبكة إلى مدير سابق لمنظمة إغاثية عملت في درعا قبل عام 2018، حيث تميزت تلك الفترة منذ العام 2012 وحتى ذلك العام، بدور واضح للمنظمات غير الحكومية، في مجالات الإغاثة والتعليم و الصحة. يقول: “ركزنا آنذاك على أنشطة رفع الوعي المجتمعي حول قضايا العنف ضد الطفل والمرأة. للأسف توقف عمل المنظمات الإنسانية بعد سيطرة النظام في صيف 2018، بسبب القيود التي وضعها النظام على عمل هذه المنظمات وإحجام معظم الداعمين عن تمويل الأنشطة الإنسانية في الجنوب”.
يرى بأن سوء الوضع الاقتصادي في الجنوب – كما في سائر البلاد – وانتشار البطالة وتعاطي المخدرات، كان له انعكاس على المنظومتين الاجتماعية والأخلاقية في الجنوب، وإلى ازدياد العنف ضد المرأة، وتطوره للقتل العمد في بعض الأحيان.
يشرح: “لا يقتصر الأمر على غياب المنظمات الإنسانية بل أيضاً هناك غياب شبه تام للجمعيات أو المؤسسات التي تقودها النساء في الجنوب السوري، والتي يُناط بها التصدي لقضايا حماية المراة والدفاع عن حقوقها. وأنا شخصياً لم أسمع بوجود جمعية تقودها النساء في الجنوب، بينما هناك العديد مثل هذه الجمعيات في شمال شرق وشمال غرب سوريا وهي جمعيات نشطة وفاعلة ومؤثرة”.
تقف مجموعة من الأسباب وراء ظاهرة العنف ضد النساء في درعا، وتتنوع بين أسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية وظروف فرضتها الأحداث خلال السنوات الماضية، ويعزز هذه الأسباب ويجعلها أكثر تأثيراً، غياب الأدوار المرجوة للمجتمع والسلطة ورجال الدين والإعلام والمنظّمات غير الحكومية. كلّ ذلك يدفع للتفكير: كيف سيكون مستقبل مجتمع يتعرض نصفه للعنف؟
الرابط: https://daraa24.org/?p=40104
إذا كنتم تعتقدون بأن هذا المقال ينتهك المعايير الأخلاقية والمهنية يُرجى تقديم شكوى