مجموعة من الشباب ينتظرون الحصول على عمل ليوم واحد في محافظة درعا
(صورة أرشيفية)مجموعة من الشباب ينتظرون الحصول على عمل ليوم واحد في محافظة درعا

يعاني سوق العمل في محافظة درعا من ضعف كبير، فقد تسببت الحرب وما تلاها من أزمات اقتصادية ومالية بفقدان الأعمال وانخفاض فرص التوظيف في مختلف قطاعات العمل، لتبرز مشكلة البطالة كإحدى أهم المشاكل الأساسية التي تواجه الأهالي في درعا حتى باتت تشكل العبء الأكبر على كاهلهم في ظل تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي والفقر الشديد الذي يعيشه معظم سكان درعا.

البطالة تهدد مستقبل شباب درعا وتدفعهم للانحراف

تعتبر البطالة من أهم التحديات التي تواجه مختلف الفئات في درعا خاصة الشباب منهم، وتتراوح معاناة الشباب في درعا بين عدم توافر فرص عمل، وغلاء المعيشة، والملاحقات الأمنية وتجنب الانخراط في الخدمة العسكرية التي أغلقت مجال البحث عن فرص عمل في المحافظات والمناطق الأخرى، مما نتج عنها سقوط الشباب في الفساد كتعاطي المخدرات أو التطرف، أو جعلهم  فريسة  لليأس والإحباط، وهذا قد يدفعهم للقيام بأعمال تهدد الأمن والاستقرار كالسرقة والسطو وغيرها.

الشاب “محمد ز، 25 عاماً، عاطل عن العمل” يؤكد لمراسل درعا 24 بأنه كان يعمل في مدينة درعا كعامل على سيارة توزيع مواد غذائية على المحلات التجارية، ولكن بعد أن انتهى تأجيله عن الخدمة العسكرية غدا بلا عمل لأنه يخشى المرور على الحواجز الأمنية خوفاً من اقتياده للخدمة. يقول: “الكثير من الشباب الذين يعيشون ذلك اليوم كحالتي، فأنا لا استطيع مغادرة بلدتي للعمل ولا أجد عملاً فيها، هناك شبّان يتوجهون للمخدرات والحشيش هرباً من حالة الفراغ التي يعيشونها، وأنا أخشى على نفسي من الإنجرار وراء ذلك أيضاً”.

تغيب الإحصائيات حول نسب البطالة في محافظة درعا بشكل خاص، ولكن هناك العديد من المؤشرات التي تدل عليها، حيث الانهيار الاقتصادي الكبير في البلاد بشكل عام، والتضخم غير المسبوق، وتغير الوضع الأمني في المحافظة، كل ذلك يؤكد ارتفاع نسب البطالة. وكانت نشرت صحيفة البعث الرسمية في 15 / 2 / 2022 تقريراً  تقول فيه إن نسبة البطالة في سوريا ارتفعت من 8% في عام 2011 إلى 56 % في عام 2013، وبالرغم من عدم وجود احصائيات رسمية لنسبة البطالة خلال السنتين الأخيرتين لكنها بكل تأكيد تفوق ال 60 % بحسب آراء عدد من المختصين.

الصحفي “محمد العويد” من أبناء محافظة درعا يقول في تصريح لمراسل درعا 24 : “نحن أمام إشكالية أشبه بالقنبلة المؤقتة قابلة للانفجار بكل لحظة، ذلك أن الدراسات بالعموم تحلل ظاهرة بطالة الشباب في المجتمعات ‏الغربية وانعكاساتها، على الرغم من قدرة الدولة هناك على توفير الحد المقبول من الضمان الاجتماعي والصحي لفئة الشباب، إضافة لوجود ما يعرف بالسوق الأسود أي غير الخاضع بمردوده ضريبياً على خزينة الدولة.

الإشكالية بمجتمعنا أننا نتحدث عن البطالة دون وجود أية ضمانات مجتمعية واقتصادية وحتى لا يوجد سوق عمل موازي، وهو ما يعني مجدداً أن فئة كبيرة تحولت لقنابل مؤقتة يمكن لانفجارها أن يحرق الأخضر واليابس وصولاً لاحتراق كل البنى السياسية والاجتماعية، وبالتالي فناء الدولة برمتها”.

يضيف:‏ “تذهب بعض الدراسات أن العاطلين عن العمل معرضون أكثر لدخول مستشفيات الصحة العقلية والامراض المزمنة، مثل أمراض الأوعية الدموية والقلب وارتفاع ضغط الدم والاضطرابات العضلية الهيكلية، والوفيات المبكرة. وقد تؤدي بعض السلوكيات السيئة التي قد تنتج عن البطالة والفراغ مثل استهلاك الكحول والتدخين إلى خطر الإصابة بحالات أخرى مثل السرطان وأمراض الكبد، كما أن هذه الفئة غالباً تكون أكثر هشاشة وقابلية لتحولات دراماتيكية، فتنشط شبكات التهريب والمخدرات وبيع الأسلحة والاتجار بالبشر وصولاً للقبول بدخول شبكات مسلحة مأجورة، كل ذلك بوابات متفجرة بوجه الأسرة ذاتها والعنف والاضطرابات، وصولا للدولة وتمزقها”.

إقرأ أيضًا: العديد من الأسر تعيش من الحوالات الخارجية، وتوقع انخفاضها هذا العيد

عمال يجلسون تحت ظل شجرة صغيرة
ازدياد معدلات البطالة في محافظة درعا 3

‏ارتفاع معدل الفقر

‏كشف مدير مكتب الإحصاء المركزي السابق شفيق عربش أن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 % بين عامي 2020 و2021 وفقاً لإحصائيات رسمية لم تنشر نتائجها حكومة النظام في سوريا، وقال في حديثه لإذاعة ( شام اف ام  ) المحلية أن واقع الأمن الغذائي في البلاد مهدد حالياً، وأنه وفقاً لإحصائيات أجريت بالتعاون بين المكتب المركزي للإحصاء وبرنامج الغذاء العالمي فان نحو 8.3 % من الأسر تعاني من انعدام شديد بالأمن الغذائي ، و47.2 % يعانون من انعدام متوسط، في حين يتمتع نحو 39.4 % بأمن غذائي مقبول، في حين إن الأرقام الرسمية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء أظهرت تراجع نسبة البطالة من 31.2 بالمئة في عام 2019 إلى 20.9 بالمئة في عام 2020، على الرغم من انخفاض الناتج الإجمالي بالأسعار الثابتة بما يقارب 4 بالمئة.

“الشاب ياسر محمد، 30 عاماً، وهو عاطل عن العمل حالياً” يوضح بأنه بعد تخرّجه من الجامعة – كلية الاقتصاد منذ ثلاث سنوات، ما يزال بدون عمل، حيث أي وظيفة حكومية يريد التقدم عليها، يحتاج إلى واسطة دائماً حتى يتم اختياره، يقول: “جميع الطرق أمامي غدت مسدودة، سوى طريق واحد وهو أن أخاطر بحياتي بالهجرة عبر البحر، والتي أيضاً تحتاج لآلاف الدولارات”.

‏(ربيعة قاسم، مرشدة اجتماعية) تقول: “تبرز مشكلة البطالة بصورة مخيفة في درعا، حيث أن نقص فرص العمل الجيدة وزيادة خطر التعرض للفقر هي عوامل رئيسية تدفع الشباب نحو الهجرة الدائمة خارج البلاد، هرباً من جحيم البطالة، التي تعتبر ‏السبب الأول لتفشي ظاهرة الفقر وانعدام الامن الغذائي”.

 ‏‏وتوضح بأن الكثير من الأسر تفتقر الى مصادر الدخل اللازمة للعيش بصورة كريمة، وهذا يعتبر مؤشراً خطيراً وينذر بتداعيات كارثية على النسيج الاجتماعي، لما ينجم عنها من آفات اجتماعية خطيرة تهدد أمن المجتمع وتماسكه واستقراره، وإن غياب فرص عمل الشباب يؤدي الى تدمير طاقاتهم، مما ينعكس سلباً على الجانب الاجتماعي والاقتصادي الذي سيحرم من الطاقات البشرية الفعالة القادرة على النهوض بالمجتمع. وتضيف: “إن ظاهرة البطالة لا تقل أهمية عن كل الأزمات التي تعاني منها المنطقة، فهي  تشكل عبئاً كبيراً يقع على كاهل الأهالي لما لها من تبعات خطيرة على الفرد والمجتمع”.

إقرأ أيضًا: عمالة الأطفال حرمان من البراءة وحقّ الحياة الكريمة

‏مشكلات متعددة

لقد أدت الحرب والحصار الاقتصادي المفروض على سوريا إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى مستويات كبيرة وتقلصت معها الأنشطة الاقتصادية في كل القطاعات، وانعدمت معها فرص العمل وحرمت العديد من العاملين من البقاء في وظائفهم ودفعت بهم الى نفق البطالة، فحسب آخر الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء فقد بلغ معدل التضخم في سوريا 163.1 % في عام 2020 ومن المتوقع أن يتجه معدل التضخم نحو زيادة بنسبة 12% في عام 2022 و9.80 بالمئة في عام 2023 وفقا لنماذج الاقتصاد القياسي.

‏(أسماء الأحمد، ناشطة اجتماعية) تقول: “إن هجرة أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة، وارتفاع نسب الضرائب والاتاوات المفروضة على الأعمال وتراجع الخدمات الأساسية، وفقدان البنى التحتية وارتفاع كلف الإنتاج وضعف السوق وتدني القدرة الشرائية، كل هذه الأمور كانت منفرة لعدد من الاستثمارات، وقد أدى ذلك الى انخفاض فرص العمل وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة، إضافة الى تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم ومشكلة ارتفاع تكاليف النقل التي تسببت بإعاقة قدرة العمالة على التنقل بين المحافظات، والبحث عن فرص عمل في أسواق العمل المجاورة.

 ‏وختمت حديثها : “تحتاح مشكلة البطالة لجهود حقيقية وخطة عمل صارمة من كافة الجهات المعنية لإيقاف نزيف البطالة، وتمكين الشباب اقتصاديا وإتاحة فرص عمل مناسبة لهم”.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=24523

Similar Posts