الدكتور زيدون الزعبي
الدكتور زيدون الزعبي

زيدون الزعبي : “بعد السيطرة على درعا، عُوقب أهلها وتمت شيطنتها من قِبل جميع الأطراف”

الدكتور زيدون الزعبي، من أبناء محافظة درعا، نشط منذ آذار من العام 2011، وخرج على المحطات الفضائية متحدثاً عن المظاهرات وما يحدث في المحافظة. متزوج ولديه ثلاث بنات، وهو ناشط سلمي غير مؤمن بالسلاح ولا بالتدخل الخارجي بكافة أشكاله. 

اعتقلته الأجهزة الأمنية مرتين خلال تلك الفترة، ويقول عن فترة الاعتقال: “تعرضت مرتين للاعتقال، لم تكن فترة سهلة على الإطلاق، أصعب فترات حياتي، علماً أنه للمفارقة، حصلت بسببها على أجمل لحظتين في حياتي: لحظة الخروج من السجن لا يضاهيها لحظة أجمل”.

تخرَّج الدكتور زيدون الزعبي باختصاص هندسة إلكترون في جامعة دمشق في العام 1996، وحصل على درجة الماجستير في العام 2003 من الهند، وحصل لاحقاً على شهادة الدكتوراة، ودرس مرحلة ما بعدها في جامعة برلين التقنية. هو كاتب وباحث والدكتوراة التي يحملها في إدارة نظم المعلومات. هو أيضاً خبير في مجالات الحوكمة بالإضافة إلى عمله على عدد من القضايا الدستورية كالهوية الوطنية واللامركزية. يعمل مستشاراً وميسراً لدى عدد من الهيئات الدولية من ضمنها مكتب المبعوث الخاص لسوريا كميسر لحوارات المجلس الاستشاري النسائي، ويعمل حالياً مدرّب وميسر حوارات، وخبير في الحوكمة.

zedoun alzuabiمقابلة زيدون
الدكتور زيدون الزعبي من مواليد مدينة درعا 1974

ساهم في تشكيل العديد من المنظمات والهيئات المدنية التي ساعدت السوريين، ويقول جواباً على سؤال درعا 24 عن تجربته في منظمة UOSSM (وهي اتحاد لمنظمات الرعاية والإغاثة الطبية تأسست في بداية العام 2012): “هي من الفترات المهمة جداً بحياتي، والتي أثّرت بشكل كثير وإيجابي بشخصيتي، فمن خلالها اختلطت بمجتمعات غير معتاد على الاختلاط بها، واشتغلت بالعمل الإنساني وهو مجال بحاجة حيادية، رغم مواقفي السياسية!”.

 ويضيف الزعبي: “أظن بأني عانيت للموازنة ما بين مواقفي السياسية التي أضمرها، وما بين الموقف المُعلن بمنظمة إنسانية، لا تتحدث بالسياسة، وهذه أول مسألة. القضية الثانية: هي أنها جعلتني أنخرط مع مجتمعات لست ابنها، يعني أنا أول مرة أختلط بهذه الكثافة مع مجتمعات مثل إدلب، حلب وسواها،  تعرفت على سوريا من خلال هؤلاء الناس، وشعرت بانتماء شديد لها، اليوم من أقرب الناس إلي هم أشخاص موجودون بحلب وإدلب وغيرها”.

يتابع: “تعلّمت في هذه الفترة، الصبر الشديد لأنه وبحسب رأيي: العمل الإنساني بسوريا هو واحد من أصعب التجارب بالعالم، ما في شي مرهق، مثل العمل الإنساني بسوريا، يجب أن تحافظ على حياديتك السياسية، وانت ترى آلام رهيبة، ترى استهداف المشافي والقصف، والمذابح والانتهاكات، (قَلَق يومي بشكل غير معقول، يعني ما في يوم مريح، ولا يوم يساعدك على الحياة بشكل طبيعي)”.

 ‏اكتسب الدكتور زيدون الزعبي خبرة واسعة من عمله في هذه المنظمات، إلا أنه عاني من ذلك أيضاً، ‏يشرح حول ذلك: “أعتقد أني بالخمس سنوات التي قضيتها بالاوسوم، خرجت منها أكبر بخمسين سنة، الخبرة التي اكتسبتها كانت هائلة، لكن التعب النفسي لا يُحتمل، يعني الله يعين اللي بيشتغلوا بهذا القطاع، أنا غادرته ولا أظن أني سأعود إليه مرة ثانية. هذا القطاع صعب جداً، فيجب عليك المحافظة على رباطة جأشك، لتكون قادراً على اتخاذ القرارات الاستراتيجية والصعبة بكل الظروف، أنت ضحية ومقدم خدمة بنفس اللحظة، أنت تقدم علاج للناس وأنت أساساً بحاجة لعلاج نفسي”. 

س: من المعروف أن عمل المنظمات غير الحكومية في الجنوب السوري توقف في العام 2018، وتم إجراء تسويات لعدد من العاملين فيها وبعضهم غادر باتجاه الشمال السوري وخارج سوريا، أخبرنا عن الصعوبات التي تواجه من بقي منهم في درعا اليوم؟

ج:  ‏أظن الكل ارتكب خطايا بهذا المجال خطايا وليس أخطاء، أولاً فكرة تصنيف المناطق في سوريا على أنها مناطق موالية ومناطق معارضة ومناطق مع هذا الطرف ومناطق ضد هذا الطرف، هي فكرة مؤلمة جداً، وبالتالي أنا أحاكمك بحسب من يسيطر على المنطقة التي تتواجد فيها، فإذا كان الذي يتحكم بمنطقتك X فأنت تتبع لـ X، على الرغم من أن X هو الذي يضطهدك.

 ‏الذي حدث بأنه بعد سيطرة القوات الحكومية على محافظة درعا، عُوقب أهل درعا مرات: أولاً بالانفلات الأمني، ثانياً بحالة الاضطراب الأمني، والذي سببه عنف السلطة، ثالثاً بسبب تخلي المانحين والمنظمات عن المجتمع.

الظلم الذي لحق بدرعا وطبعاً سواها من مناطق (ما يسمى مناطق المصالحة) مثل مناطق الغوطة الشرقية، الغوطة الغربية، أرياف حمص… كلها تعرّضت لظلم رهيب، لأنه من ناحية انفلت الأمن فيها، بعد انسحاب قوات المعارضة منها، وثانياً شيطنتها من قِبل الأطراف المختلفة وعلى رأسها طبعاً أطراف معارضة، وثالثاً انحرمت من الدعم والمساندة. برأيي هذا يرقى إلى ارتكاب [جريمة]، لن أقول أكثر من كلمة ارتكاب عن هذا الموضوع.

س: كيف ترى عمل المجتمع المدني في سوريا وفي الجنوب السوري بشكل خاصّ وهل استطاعت أن تكون شريكة في صناعة القرار أو من الممكن أن تستطيع فعل ذلك يوماً؟

ج: اليوم المنظمات جميعها راغبة بأن ترجع، ولكن ما هي الطريقة حتى ترجع؟ عندما يقرر المانح أن يعود إلى درعا، أول سؤال لازم يسأله لنفسه لماذا غادرنا؟ وعند تعود المنظمات على درعا، السؤال الذي ستسأله هي لماذا غادرتِ؟ 

اليوم إذا أراد المانحون والمنظمات الرجوع، ليس لديهم شريك محلي، هم لا يعرفون الناس، وبالتالي هم من يدفع الثمن، وبالتأكيد الناس بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة تدفع الثمن. 

يعاني المجتمع المدني بالعموم اليوم من ولادات عسيرة، أهمها تحدي التحول من مجتمع مدني إلى مجتمع مقاول، إلى مجتمع موظف عند المانح، لا أعمم طبعاً لكن هناك جزء من المجتمع المدني اليوم أصبح يعمل بالقطعة، (يعني تعطيني مصاري بشتغل ما تعطيني مصاري ما بشتغل). أيام الاندفاعات الأولى والحماس والعمل التطوعي والمغامرة راحت، صار (تعطيني تمويل بشتغل لك حقوق إنسان، ما تعطيني ما بشتغل حقوق إنسان، هيك صار الوضع).

 ينسحب هذا الكلام في كل مكان، وأيضاً على الجنوب السوري – وإن تباينت الأمور في الجنوب السوري – هناك انسلاخ للمجتمع المدني عن الجنوب. جعل الجنوب يواجه صعوبات مختلفة:  أهمها هو غياب المجتمع المدني نفسه، لأنه لم يبقَ مجتمع مدني يعمل بشكل تطوعي، جميعه يعمل بالتمويل.

لكن الأهم أنه بدأ يظهر مجتمع محلي ناضج حيوي قادر على معالجة شؤونه، بالإضافة لمنظمات ومبادرات محلية صغيرة لكنها قادرة على المواجهة، مرنة ومتكيفة وذكية ومناورة وبراغماتية. طبعاً تواجه ظروفاً من أحلك الظروف، لكنها قادرة على العيش وإكمال مسيرتها..

لقاء خاص لـ درعا 24 مع الفنان المعارض وعضو اللجنة الدستورية جمال سليمان

س: ‏كيف تجد دور الأمم المتحدة في سوريا، وهل يمكنها إيجاد حلول للمأساة السورية، وهل ما زال هناك سعي لتطبيق القرار 2254؟ 

ج: بالنسبة لدور الأمم المتحدة: ما الذي يمكن للأمم المتحدة أن تصنعه؟! حقيقةً هي ليس بيدها شيء، إذا لم يكن هناك مجلس أمن قادر على القيادة، فما الذي يمكن أن تفعله الجهة التنفيذية لهذا المجلس.

تنتظر الأمم المتحدة قرار مجلس الأمن كي تنفذ. إذا كان في مجلس الأمن قطبان، الصين وروسيا من جهة، وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة من جهة أخرى، وما دامت هذه الدول غير متفقة، وغير قادرة على اتخاذ قرارات، فالأمم المتحدة لن تستطيع فعل شيء.

 ‏الأمم المتحدة الآن تدير الأزمة ولا تستطيع حلها، لأن الحل ليس بيدها، الحل بيد القوى العظمى والقوى الإقليمية، هل الأمم المتحدة قادرة مثلاً أن تقول لتركيا أو إيران أو روسيا أو أمريكا أو …انسحبوا؟! قادرة تقول تعالوا، أنا سأفرض عليكم الحل 2254؟

 ‏اذا صدر قرار وأعطوا صلاحيات للأمم المتحدة لتنفيذه، تقوم بتنفيذه، أما إذا لم يعطوها الصلاحيات فكيف ستطبق القرار، هم في النهاية موظفون، هم ليسوا جهة سياسية وهي ليست جهة مستقلة، هي بيد القوى الخمسة.

 بالتالي عندما نتهجّم على الأمم المتحدة، يجب أن نسأل أنفسنا: متى كانت الأمم المتحدة غير ذلك؟ كيف تستطيع الأمم المتحدة التحرك دون وجود مجلس أمن يدعمها؟.

س: ‏تكمل سوريا خلال الشهر القادم، السنة الثالثة عشر من عمر مأساتها، برأي زيدون الزعبي، هل وصلنا إلى النهاية أم ما زال هناك المزيد من السنوات أمام الشعب السوري لتحقيق تطلعاته؟

 ‏الأزمة السورية مستمرة إلى زمن طويل لا يتوهم أحد بأن هناك حل قريب، على العكس ما ينتظرنا قد يكون سيئاً للغاية، نحن اليوم نشهد بوادر تقسيم سوريا، اليوم في سوريا سبع مناطق حوكمة محلية – كل منطقة لها شكل أمني وشكل تقديم خدمات تختلف عن الأخرى – وهي مناطق ريف حلب الشمالي وإدلب والحسكة ودير الزور والسويداء ودرعا، وباقي مناطق النظام. 

اليوم تتكلم عن ثلاث مناطق نفوذ، وأربع مناطق سيطرة، النفوذ: مناطق معارضة، مناطق إدارة ذاتية، مناطق سيطرة الحكومة المركزية، أما مناطق السيطرة فتضيف للمناطق الثلاث السابقة، منطقة رابعة بتقسيم منطقة المعارضة لقسمين: واحد تحت سيطرة الجيش الوطني، وواحد تحت هيئة تحرير الشام.

وبالتالي البلد ذاهب إلى التفتيت، إن لم نتحرك، نحن نتحدث عن مخاطر جمّة، ولن نجد حلاً في يوم قريب، الحل سينتظر سنوات، علينا أن نتهيأ لذلك وأن نحارب لتوحيد سوريا.

اعتقلت الأجهزة الأمنية الدكتور زيدون الزعبي مرتين خلال تلك الفترة، ويقول عن فترة الاعتقال: “تعرضت مرتين للاعتقال، لم تكن فترة سهلة على الإطلاق، أصعب فترات حياتي، علماً أنه للمفارقة، حصلت بسببها على أجمل لحظتين في حياتي: لحظة الخروج من السجن لا يضاهيها لحظة أجمل”.

س: ‏الدكتور نصر الحريري في مقابلة سابقة مع درعا 24 قال بأن “المعارضة السورية ومؤسساتها غائبة في كل المجالات”. هل ترى أن المعارضة بهذا التشتت الذي تعيشه يمكنها أن تحقق تقدماً أمام النظام في سوريا؟ 

 ‏بالتأكيد لا تستطيع المعارضة بشكلها الحالي أن تنجز أي شيء، بالعكس المعارضة في تراجع مستمر، ولا أرى اليوم أي أثر لها. ‏ما تزال تحتفظ بمضامين 2254 لكن برأيي 2254 سيُفسر تفاسير مختلفة جداً مستقبلاً، ولست متأكداً إن كان للمعارضة موقع ضمن التفسيرات المقبلة 2254، أتمنى أن أكون مخطئاً واتمنى أن تعمل المعارضة كي تكون حاضرة لكنها الآن بعيدة للغاية.

إقرأ أيضاً: الكاتبة والصحفية  سميرة المسالمة ، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، في لقاء خاص مع شبكة درعا 24

س: ‏لماذا برأيك توقفت المظاهرات في محافظة درعا مؤخراً واستمرت في السويداء؟ ولماذا لم يتعامل  النظام في سوريا مع المظاهرات في السويداء كما فعل بالعام 2011 مع غيرها، هل سيغيّر النظام في سوريا من طريقة تعامله مع المظاهرات؟ وما رأيك بالأصوات التي تقول بأنها تدعو للانفصال؟

ج: ‏توقفت المظاهرات في درعا لأن ظرفها مختلف تماماً، وحجم الضغط الأمني بدرعا كبير جداً، ولا يمكن مقارنته بالضغط الأمني في السويداء، بالإضافة أن درعا ذاقت ما ذاقت، فالناس تقول لا يمكن أن أعود إلى ما كنت عليه من عمليات القصف والتنكيل والاعتقال والتشريد، وحتى الآن لا أستطيع العيش في منطقة آمنة، لا تتوافر الخدمات، فأعتقد بأن هذين هما السببان الأساسيان اللذان جعلا درعا تتراجع؛ الخشية من الضغط الأمني وأن استراتيجية النظام في درعا تختلف عنها في السويداء، إضافة للدرس القاسي الذي عشناه.

 ‏النظام في سوريا لن يغير استراتيجيته مع مظاهرات السويداء، لأن السويداء بطريقة أو بأُخرى معزولة عن باقي المناطق، وتعتمد اعتماداً كلياً على دمشق، وطالما المظاهرات لم تنتشر إلى باقي المناطق، لماذا يتورط النظام بأي تدخل معها؟

أتمنى أن تنجح السويداء وقواها المحلية بخوض مفاوضات مع السلطة المركزية في دمشق لتحسين اللامركزية، والذي بدوره سيعود بالنفع على كل سوريا، وهذا سيكون رد على طلبات الإدارة الذاتية المشبوهة والمستحيل للانفصال.

س: ‏بما أنك ذكرت اللامركزية؛ الكثير من الناس لديهم خوف من هذا المصطلح، ويقولون بأنه بداية الانفصال، هل من توضيح حول هذا المصطلح؟

نعم هناك خشية كبيرة من قبل الناس والمجتمع من اللامركزية (وبرأيي هذه الخشية مفهومة وبحاجة لتوضيح)، اللامركزية هي في سبيل توحيد البلاد وهي موجودة في دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، الهند والصين، وموجودة أيضاً في دول صغيرة جداً مثل بلجيكا وسويسرا، وكذلك اللامركزية موجودة في بلدان فيدرالية مثل ألمانيا، وغير فيدرالية مثل السويد والدنمارك.

 ‏وبالتالي فخشية الناس من اللامركزية غير مبرر، وقد تأصّل هذا الخوف بسبب السلطات، فلطالما حاولت السلطات شيطنة اللامركزية، لأنها تريد تمركز كل شيء في يديها والتحكم بكامل بمفاصل البلاد، وروّجت من خلال إعلامها بأن اللامركزية هي الانفصال.

 ‏وهذا طبعا خطأ ولا يمت لمصطلح اللامركزية بصِلة، فاللامركزية موجودة في الكثير من دول العالم الديمقراطية، وتعني بشكل مبسّط، ألّا تتحكم السلطة المركزية بكل شيء، وبالتالي تتيح لأهل مكة أن يديروا شؤونهم لأنهم أدرى بشعابها، (على سبيل المثال (شو عرّف وزارة الصحة بدمشق، وين لازم أعمل اللقاح؟ وين لازم تنفتح الصيدلية؟، وشو احتياجات درعا الأساسية..إلخ.) هذه بحاجة لسلطات الصحة المحلية لكي تقررها، وهذا غير موجود، وبرأيي اذا تمكنت السويداء من التفاوض لتطبيق روح القانون 107، والذي أصدره النظام، طبعاً روح هذا القانون لأن القانون بصيغته الحالية فيه العديد من التشويهات، وإذا تم تطبيقه فهذا نصر تقدمه السويداء لكل سوريا.

أطلق الدكتور زيدون الزعبي في الآونة الأخيرة – مع مجموعة من الباحثين – بحثاً يتحدث عن الهويات المحلية والهوية الوطنية في سوريا، وذكرت بأنهما مترابطتان، وأن المناطقية ليست خطراً، كيف نستطيع أن نفهم ذلك على جغرافية كمحافظة درعا

جيد أن تسألني سؤالاً عن جغرافية بعينها، حقيقة أن حوران تتمتع بهويتين قويتين محليّة ووطنية، الهوية الوطنية، تعني الانتماء لسوريا والدفاع عنها، وحماية ثقافتها ووحدة أراضيها، والاعتزاز بتاريخها. والهوية المحلية، تعني أيضاً الاعتزاز في الثقافة الحورانيّة، بالعادات والتقاليد الحورانية، بأرض حوران الحمراء بصخور البازلت بوادي اليرموك، وحتى بمنسف المليحي والهجيني… وأبو تمام كشخصية تاريخية من حوران.

وبالتالي هذه الرموز تُثير اهتمام الحوراني بحورانيّته ولكن هذا لا يُقلّل من اعتزاز الحوراني بسوريّته، للأسف تعودنا في الماضي، بأنك إذا قلت بأنّك تعتز بحوران فهذا يعني بأنك لا تعتز بسوريا وهذه مغالطة كبيرة! فأنا أعتز بأني من محافظة درعا وأعتز بلهجتي الحورانية ولكني أعتز بسوريتي وأفديها بدمي، وبالتالي الهويتان غير متناقضتين وهذا ما أردنا الوصول إليه من خلال البحث، والفكرة أننا لا نريد أن نقول بأنك يجب أن تكون مناطقي أبداً، بل نقول لا تُخفي اعتزازك بمنطقتك، لأن اعتزازك بمنطقتك لا يتنافى مع اعتزازك ببلدك أبداً.  

س: ‏كيف تنظر للوضع في غزة، والتغطية الإعلامية العربية والغربية، وهل أثّر ذلك على الوضع في سوريا إعلامياً أو سياسياً أو في أي مجالات أخرى؟

ج: ‏نعم ما يحدث في غزّة أثّر بشكل كبير جداً، عملياً، غزة وضعتنا أمام تحدٍ كبيرٍ: ‏ أولاً :هي كشفت زيف القيم الغربية. ثانياً: كشفت لنا زيف أغلب الإعلام الغربي. ‏ثالثاً: أعادت للمؤسسات العربية الكبرى حضورها. رابعاً: وضعت الإعلام المحلي السوري أمام تحدٍ كبيرٍ. لكن باعتقادي أن الإعلام المحلي السوري (المناطقي) الذي يتحدث باسم منطقة معينة، وليس باسم سوريا ككل يستطيع المواجهة. أما الإعلام الذي يتحدث باسم سوريا ككل فهو سيواجه تحدياً كبيراً في مواجهة الإعلام العربي.

 ‏ لجهة القيم الإعلامية، باعتقادي أنه على الجميع الآن مراجعة ما جرى، لأن ما جرى هو كارثة حقيقية بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأننا أصبحنا الآن ننظر إلى جميع المؤسسات الإعلامية بعين الريبة والشك، عن أي إعلام مستقل ومهني وأخلاقي تتحدثون، ونحن نرى التزييف والبروباغندا والانحياز بأبشع صوره.

س: ‏كان لك صلة مع الزميل محمود الحربي أحد أفراد درعا 24 الذي فقدناه في العاشر من نوفمبر، كيف كانت هذه العلاقة؟

ج: ‏أنا أعرف محمود الحربي منذ ما يُقارب العشر سنوات، من لمّا طلعت من السجن، – ويبدو أن اللقاء بدأ بالسجن وسينتهي بالسجن –  شقيق محمود كان اسمه سعيد الحربي كان معي في السجن، وللأمانة ساعدني كثيراً، أنا كنت ضعيف البنية في السجن، هو كان يساعدني، أتمنى أن يخرج رغم أنه لا أعرف ما حدث بعد هذا العمر!

 ‏فتواصل محمود معي ليسألني عن أخوه هذا الكلام كان في العام 2013، فقدنا محمود بعد 10 سنوات من هذا الكلام، محمود خلال العشر سنوات “كان مثال للشخص النشيط الشغّيل واللّي قلبه نظيف، لم يكن لديه أي همّ، غير إنه يغامر ويشتغل لبلده، ويحمي أولاده وعائلته”.

 ‏محمود خسارة من الخسارات الكبيرة التي نواجهها. علاقتي فيه كانت دائماً علاقة تسومها الود، محمود كان شخصاً صبوراً جداً، شديد التهذيب، شديد الإخلاص، ما بعمرك تنتخيه – بالمعنى الحوراني – إلا وينتخي، ما بعمرك تطلبه إلا بتلاقيه. الله يرحم محمود ويعين أسرته ويعيننا جميعا على المستقبل البشع اللي ناطرنا، إن شاء الله أكون غلطان.

رابط المقابلة: https://daraa24.org/?p=37685

Similar Posts