المخدرات

تعدّ ظاهرة انتشار المخدرات من الظواهر الأكثر خطورة على الإنسان والمجتمع، وتبرز كأحد أهم المشاكل التي يعاني منها الشباب اليوم في محافظة درعا، إذ لا يخفى على أحد خطورة تعاطي المخدرات على الصعيد الفردي والوطني.

 لم تكن محافظة درعا بعيدة عن هذه الظاهرة، إذ شهدت السنوات بين 2018 و2021 ارتفاعاً ملحوظاً في انتشار المخدرات، سواء على صعيد التعاطي أو على صعيد الاتجار بها وترويجها.

أصبحت ظاهرة المخدرات مُستشرية ولا يستهان بها، تنهش وتدمر وتفتت نسيج المجتمع  بشكل متسارع، مما يزيد من حجم الخطر المُحدق بالمجتمع وسط تجاهل ملحوظ من قبل الحكومة لمواجهة هذه الظاهرة، وهذا ما جعل من الإقبال على هذه التجارة أمراً اعتيادياً.

لم يعد الحصول على المخدرات مثل (الكبتاغون والترامادول والزولام …) وغيرها عسيراً على أحد، حيث تحوّلتْ من البيع السرّي إلى العلني، فالمروجون نراهم في كل مكان، حتّى أن بعض المدارس باتت غير قادرة على منع تسرب تلك السموم الى داخلها.

 يبدأ الأمر بالنسبة لشريحة واسعة من الشباب المُدمن بنصيحة من أحد الأصدقاء لتجربة المادة المُخدّرة لمرّة واحدة لتكون أولى خطواته للإدمان. شاب في العشرينيات من العمر من أبناء درعا يقول لمراسلة درعا 24 بأنّ أوّل سيجارة حشيش حصل عليها كانت بقصد التجربة، حيث قدّمها له أحد أصدقائه في أحد السهرات التي  كانت تجمعهم سوياً بهدف التسلية، ليدخل بعدها في دوامة التحشيش، التي امتدت قرابة العامين.

 يضيف لم يكن الحصول على الحشيش بالأمر الصعب، فالأشخاص الذين يبيعون الحشيش معروفين للجميع، وعند تكرر زياراتي للشخص الذي يبيع الحشيش، بهدف شرائها منه علم أهلي  بذلك، لأدخل بعدها معهم في دوامة صراع طويلة، وقد تمكنتُ بفضل المساندة والدعم الذي تلقيته منهم أن أتجاوز تلك المحنة، التي استنزفت طاقتي مدة عامين كاملين.

حالة أخرى، يشرحها والد أحد المتعاطين من الشباب، يؤكد فيها بأنّه لاحظ على ولده العديد من التغييرات في حياته، وتلّقى العديد من الشكاوى من سكّان بلدته بأنّ ابنه يقوم بسرقة ممتلكاتهم، بهدف شراء المخدرات، وحاول والده أن يحبسه في المنزل أو أن يبحث عن حلول لذلك، ولكن دون جدوى. يضيف، في النهاية لم يجد حلّ سوى تسليمه لفرع الأمن الجنائي بعد عجزه عن فعل أي شيء. 

إقرأ أيضًا: الجيش الأردني يعلن عن إحباط عملية تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة من سوريا إلى الأردن

«أسماء عادل»، أخصائية في علم النفس تقول للمراسلة بأنّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وتداعياتها ساهمت برفع نسبة اللاجئين للمخدرات، فالضغط النفسي الذي يعاني منه الشباب اليوم بسبب ارتفاع نسب البطالة والفراغ، الذي يسيطر على حياتهم. 

تشرح الأخصائية: يعدّ أبرز الدوافع المشجعة على تعاطي المخدرات، حيث يلجأ إليها الشباب بسبب الشعور باليأس من الوضع المتدهور، وفقدان الامل بالمستقبل المجهول، إضافة الى ضعف الرقابة والملاحقة القانونية للمروجين، ونتيجة حتمية للتمزق الاجتماعي الناتج من الحرب والفقر.

تتابع: إلى جانب غياب الوعي المجتمعي في ضرورة مكافحة ومحاربة تلك الظاهرة، التي تهدف إلى تفكيك نسيج المجتمع وتدمير فئة الشباب والأطفال، وجعل المجتمع بعيد كلّ البعد عن قيمه وتعاليم دينه، فكل تلك الأمور جعلت من الشباب فريسة سهلة لمروجيّ المخدرات. 

يعدّ انتشار المخدرات في محافظة درعا أحد الأسباب الرئيسية في ارتفاع مستوى الجريمة (فمعظم الجرائم المرتكبة تأتي على هامش تجارة المخدرات وفق روايات السكّان) وفقدان الطاقات الشابة التي تعتبر حجر الأساس بالنهوض بالمجتمع وإعادة بنائه وتطويره. ويُشير سجّل المحاكم في محافظة درعا خلال عامي 2019 / 2020 إلى أنّ كلّ 100 واقعة طلاق سجلتها الدوائر المتخصصة بينها 40 سببها تعاطي المخدرات، وان 90 % من جرائم السرقة التي تعاملت معها مراكز الشرطة تعود لمدمنين أو متعاطين، بينما سُجّلتْ أربع جرائم قتل تحت تأثير المخدرات. 

إقرأ أيضًا: مقتل الطفلة ” ليمار ” حادثة جديدة في درعا، وروايات متعددة

 إنّ انتشار المخدرات وسهولة وصولها للشباب بأرخص الأثمان يشير إلى أن من يروّج لها ليس هدفه الربح والكسب المادي في بلد يعاني ويلات الفقر، وإنما هي عملية مُنظّمة تستهدف الشباب تحديداً للسيطرة عليهم، ففي الوقت الذي تعيش فيه البلاد  انهياراً اقتصاديّاً كبيراً، وتعاني جراء ارتفاع أسعار السلع في الأسواق،  بقيت معظم أصناف المخدرات على سعرها  دون أي ارتفاع ملحوظ.

حصلت درعا 24 من عدد من المصادر على أسعار بعض أنواع المواد المخدرة، حيث يتراوح سعر كفّ الحشيش الذي يزن 200 غرام بين 70 و 120 ألف ليرة سورية، ويتراوح سعر حبة الكبتاغون بين 500 و 1200 ليرة سورية، وتعتبر هذه الأسعار قليلة جدا مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2010، حيث كانت وزنة الحشيش 200 غرام تباع بنحو 150$.

وتعتبر الفئة العمرية الأكثر إقبالاً على التعاطي هي من فئة اليافعين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 25 عاماً. 

إنّ اتساع نطاق تعاطي المخدرات بين الشباب بات يهدد أمن المنطقة وأمن مواطنيها، لذلك لا بدّ من تشكيل فرق عمل وطنية للحدّ من انتشار المخدرات، وتفعيل الحوار كأسلوب وقائي بين الآباء والأبناء، بهدف الإصلاح وتهذيب السلوك، واطلاق حملات توعية بين مختلف الشرائح العمرية لمحاربة هذه الآفة.

قاتل بلا سلاح، رحلة المخدرات في الجنوب السوري، من أين تأتي، وإلى أين، ومن يرعاها؟

https://daraa24.org/?p=18318

Similar Posts