معمل سجاد في مدينة بصرى الشام 1967
معمل سجاد في مدينة بصرى الشام 1967، مجلة العربي

اشتهرت حوران بعدّة صناعات ريفية لسدّ حاجة المنطقة من الأدوات البسيطة التي يحتاجها الأهالي خلال يومهم، منها صناعة البسط والسجاد والمخدات و(الفجج)…، والتي ظهرت في سهل حوران من حاجة السكّان لتدفئة أرضية المنازل في فصل الشتاء، وفرش بيوتهم و(مضافاتهم) من مستلزمات الجلوس مثل المفارش العربية (الدّيوانية)، واعتبار الصنعة مصدراً للرزق ودخل للأسرة، وباب من أبواب المعيشة. 

تحضير المواد الأولية لصناعة البسط والسجاد والمخدات

كان الأهالي يصنعون البسط والسجاد، باستخدام النول اليدوي، من خلال سلخ صوف الغنم في بداية فصل الربيع، ثم غسله وغزله بالمغزل، وصبغه بألوان مختلفة، وتحويل الصوف إلى خيوط، ثم لفه على شكل كبّة دائرية، وبعدها يصنع منه البساط أو السجاد، باستخدام النول المصنوع من الخشب. ويختلف النول المستخدم في صناعة السجاد عن النول المستخدم في صناعة البسط أو المخدات، كما تختلف الفجة عن غيرها في المواد الداخلة في صناعتها.

يقوم الصانع بتسخير النول والمواد الأولية، والألوان المستخدمة، بما يتوافق مع ما يريده من ناتج، ففي حال صناعة السجاد اليدوي تستخدم طريقة تسمى “التعنقد”، ويستخدم النول العمودي، والذي فيه مطواة متحركة وأخرى ثابتة، فالثابتة لا يتم تحريكها، أما المتحركة فهي التي يتم من خلالها قلب السجاد وتحركيه ببطء، ويكون السجاد المصنوع ذو مساحة واسعة ويغطي كامل أرضية الغرفة، وبشكل دائم، وغالبية ألوانه هي الأبيض والأحمر والبني والأزرق. 

إقرأ أيضاً: الزي الشعبي في حوران

صناعة البساط و (الفجة كما تسمى في حوران)

أما في صناعة (الفجة) فتُستخدم الثياب البالية التي لم تعد صالحة للإستعمال، في صناعتها، ويكون عرضها 120سم، بطول 4 أمتار، وألوانها غير متناسقة بشكل جيد، فهي مزيج مختلط من الألوان. 

في حالة البسط، يتم تعريض مشط النول لقرابة المتر، ويكون البساط أصغر حجماً من السجاد، ويغطي مساحة صغيرة بحيث يمكن تحريكه بسهولة، وهو أقل سماكة وتعقيد. أما لصناعة المخدات فيتم تضييق مشط النول نحو 40 سم، ويكون العمل عليها بشكل مختلف تماما عن السجاد أو البساط، فهي تحوي أنواع إضافية من العمل، لإعطائها مظهر مختلف، وتنسيق متناسب. 

صناعة المخدات

ممن امتهنوا إحدى هذه الصناعات، وصناعة المخدات بالذات السيد محمود عبد الرؤوف المقداد – من أبناء بلدة معربة، يتحدث لمراسل درعا 24: “اشترى والدي النول في الثمانينات، وامتهن صناعة مخدات الصوف في البلدة، وعملت عليه أنا أيضاً لفترة بعد وفاته، لنكن بذلك إحدى أقدم العائلات في البلدة، الذين امتهنوا هذه الصناعة حتى العام 2010”.

ولدى سؤاله عن أجزاء النول وكيفية العمل، أوضح المقداد: “يتكون النول من عدّة أجزاء، منها السدى (الخيطان البيض)، وخيطان الصوف لصنع المخدات، والمشط، والمكوك، والدواسات، واللفاف، والمطواية، والنير.. وهي معدات بسيطة وغير مكلفة، ولا يحتاج النول لمكان ضخم لوضعه فيه”. 

ويضيف: “تأخذ كل مخدّة عمل مقدار ساعة، ويتكون الطقم الواحد من 12 مخدة، فيحتاج الطقم الواحد من المخدات للعمل لمدة 12 ساعة، طول المخدة ١٣٥ سم وعرضها ٤٠ سم، وعند العمل، يستخدم القلم الأزرق للف الصوف عليه ثم يتم إدخاله بالمكوك، ثم تتم عملية (التطعيم) وهي تشكيل الألوان، وبعدها يقوم الصانع بمى يسمى (التعصي) وهي حبك المخدة من ثلاث جهات وترك جهة واحدة فقط لإدخال أو إخراج حشوة المخدة، وأخيراً تضاف إليها ما تسمى (شربوشة).

إقرأ أيضاً: تكحيل حديثي الولادة عادة قديمة تقوي البصر أم العكس

الوحدات الإرشادية لـصناعة البسط والسجاد

تطورت صناعة البسط في الستينيات، حيث تم بناء الوحدات الإرشادية لصناعة البسط والسجاد، وشهدت المحافظة اهتماماً واسعاً في هذا المجال، لتنظيم الصناعة وتسويق المنتجات الريفية، وتقوم مديرية إنعاش الريف بتزويد هذه الوحدات بالصوف اللازم فقامت مثلا: بتأمين 190 طن من الصوف في العام 1979.

نظمتْ هذه الوحدات دورات تدريبية للنساء لتعليمهن هذه الصنعة ورفع أدائهن، حتى بلغ عددهن 771 عاملة في العام في جميع الوحدات الإرشادية لصناعة السجاد المنتشرة في محافظة درعا، وتقاضت كل واحدة من هذه العاملات أجراً وقدره ما بين 90 – 110 ليرات سورية على كل متر واحد مربع من السجاد. 

 الوحدة الإرشادية في مدينة بصرى الشام

كانت أول وحدة إرشادية تُنشأ في محافظة درعا وذلك في العام 1962، وكانت مخصصة لإنتاج البسط والسجاد المصنوع في الريف الحوراني، وبقيت وحدة بصرى لإنتاج البسط والسجاد ذات إنتاج ضعيف حتى سنة 1968، الذي شهد تحسن في الإنتاج حيث بلغ حينها : 409 م2 من البسط و100 م2 من السجاد. وفي سنة 1969، حولت هذه الوحدة لإنتاج السجاد فقط، حيث بلغ إنتاجها في هذا العام 102 م2، وفي سنة 1975، ارتفع مستوى الإنتاج بشكل ملحوظ ليبلغ 2770 م2.

الوحدة الإرشادية في بلدة معربة

إلى جانب الصناعة الفردية في هذه البلدة، والتي كان فيها رجل دمشقي يُسمى أبو معروف النبكي اشتهر بنوله وصناعته، ومن بعده عبدالرؤوف محمود العبدالله المقداد، بنيت وحدة إرشاد معربة سنة 1976، والتي كان مكانها خلف مبنى البلدية، والتي تسلم مديراً لها السيد: محمد سالم اليحيى المقداد (أبو عدنان).

زار وحدة إرشاد معربة وفد أردني سنة 1977، لبحث إمكانية إقامة صناعات للسجاد في الريف الأردني (2)، واستمع الوفد عن شرح لهذه الوحدات وعن طاقتها الإنتاجية وطريقة تسويق المنتجات، وذلك لتميزها، ففي سنة 1979، تفوق وحدة معربة على جميع وحدات المحافظة، وحازت المركز الأول في كمية الإنتاج الشهري، حيث أنتجت مساحة 1800 م2 من السجاد، وشهدت البلدة تفوقاً واضح في الجودة والكم (1).

كما حازت السيدة فوزية عبدالعزيز المقداد من بلدة معربة على المركز الأول، حيث تمكنت من إنتاج مساحة 4،19 م2 من السجاد خلال شهر، في حين أن المتوسط للعاملة الواحدة في الشهر بين 2 و 2،5 م2.

إقرأ أيضا: من ذاكرة ومعالم حوران

المزيد من الوحدات في المحافظة

سنة 1975، تم إنشاء وحدتين إرشاديتين، واحدة في الصنمين والثانية في نوى، ثم في بلدة السهوة. وأما في العام 1977، أقامت المديرية 6 وحدات إنشائية (3)، وهي في كل من، الشجرة، محجة، الطيبة، إنخل، الحراك، الحارة. وبلغت كمية إنتاج جميع الوحدات من السجاد في محافظة درعا: 5948،17 م2، وعن سنة 1978 م، قفز الإنتاج إلى 6654 م2، وفي سنة 1979 م إلى  9123 م2.

إقرأ أيضا: المأكولات الشعبية في حوران

تشابه الصناعة في مناطق ريف دمشق وعموم جنوب سوريا

تشابهت هذه الصناعة مع مثيلاتها خارج حوران وما جاورها من مناطق، كريف دمشق وجبل العرب والقنيطرة، وهذا ما يؤكده السيد أحمد الشامي، الذي عمل على صناعة البسط اليدوية في شبابه، وهو من سكان ريف دمشق، يقول لمراسل درعا 24: “إن هذه الصناعة، واحدة في حوران وجنوب سوريا عموماً، من حيث الأدوات وطريقة الصناعة، وقد كنت أسافر مع أبي إلى دمشق وجنوبها والسويداء، وكانت جميع المناطق تعمل على نفس الأداء”.

ويتابع في كلامه: “النول المستخدم في صناعة السجاد يختلف عن النول المستخدم في صناعة البسط، فنول السجاد عامودي ويجلس الصانع مقابل النول، بينما نول البسط يطرح على الأرض، ويكون الصانع جالس على كرسي، والنول تحت صدره”.

مع مرور الزمن تحولت الصناعة اليوم من الصناعة اليدوية إلى الآلية، فظهر السجاد الآلي فيما بعد، كسجاد صيدا الذي تأسس في العام 1992، وأصبحت الصناعة اليدوية جزءاً من تراث حوران والمنطقة، الذي يحمل ذكريات الماضي، وتعرضت الكثير من الوحدات الإرشادية للضرر وتوقفت عن العمل، كما تحول الكثير عن هذه الصناعة إلى غيرها بسبب متطلبات الحياة، وأصبح سعر السجاد اليدوي غالي حداً، ونادر الوجود. 

الرابط: https://daraa24.org/?p=38713

مصادر: 

  • 1-صحيفة الثورة، العدد 4980، واقع الوحدات الإرشادية، تقرير: سلامة دحدل. 
  • 2-جريدة الأخبار، العدد 89، الصفحة الثانية. 
  • 3-جريدة الثورة، العدد 5521، الوجه المضيء للوحدات الإرشادية، تقرير: سلامة دحدل. 

الكاتب: صهيب المقداد، باحث في التراث

Similar Posts